- This topic has 0 ردود, مشارك واحد, and was last updated قبل 7 سنوات by admin.
-
الكاتبالمشاركات
-
5 أبريل، 2017 الساعة 2:44 م #10271adminمدير عام
“ستاربكس ” وعادة النجاح
”ترافيس ليتش“ شاب يائس توفي والداه في سن مبكرة. عانى ”ترافيس“ من حياة بائسة ومعدمة حتى قرر أن يترك دراسته الثانوية في سن السادسة عشرة. حصل بعد ذلك على وظيفة في ”ماكدونالدز“ ولكنه لم يكن يستطيع التحكم في أعصابه حين يتطاول عليه أحد الزبائن فيصيح في وجوههم، وربما كانت تنتابه حالة من الاكتئاب في بعض الأحيان فيبدأ في الصراخ والبكاء دون أدنى سبب. وكان دائم التأخر بل وأحيانًا يأخذ عطلات غير مبررة. وفي أحد الأيام، عرض عليه أحد العملاء الدائمين وظيفة في ”ستاربكس“. وفي خلال شهر واحد، استلم ”ترافيس“ عمله كصانع قهوة بالفترة الصباحية. كان ذلك منذ 6 أعوام مضت، أما الآن فقد أصبح ”ترافيس“ مديرًا لفرعين كبيرين من ”ستاربكس“ ويخضع لإشرافه ما لا يقل عن 40 عاملًا وقد وصل راتبه إلى 44000
دولار، كما تعلم الانضباط في مواعيده والتحكم في مشاعره. وفي إحدى المرات شرع أحد العاملين في البكاء بعد أن وبخه أحد الزبائن، فأخذه ”ترافيس“ جانبًا وقال: ”إن سترة العمل التي ترتديها هي درعك الواقي، فلن تستطيع كلماتهم أيًا كانت أن تصيبك
أو تجرحك. فاحتفظ بقوتك ورباطة جأشك مهما حدث!“ تعلم ”ترافيس“ هذه الأشياء ضمن دورات ”ستاربكس“ التدريبية. هذا التدريب الذي – على حد قوله – قد غيَر مجرى حياته. فمن خلاله تعلم كيف يعيش، ويجتهد، ويعمل، ويتحكم في مشاعره. الأهم
من ذلك أنه تعلم قوة الإرادة.
”ستاربكس“ هي إحدى أكبر وأشهر الشركات التي نجحت في تعليم المهارات الحياتية التي فشلت في تعليمها المدارس، والعائلات، وحتى المجتمعات. يقوم هذا التعليم على عادة غاية في الأهمية وهي الإرادة القوية. فكم من الأبحاث والدراسات التي أثبتت دور الإرادة القوية كإحدى أهم العادات الاستثنائية الفردية والمؤسسية على حد سواء. وحين بدأت الشركة في وضع استراتيجيتها التنموية الضخمة في نهاية التسعينيات، أدرك رؤساؤها التنفيذيون أنه كي تحقق الشركة النجاح المرجو لا بد من توفير مناخ عام مميز يستحق أن يدفع العميل أربعة دولارات مقابل كوب من القهوة دون تذمر، وبالتالي تطلب الأمر تدريب العاملين على تقديم الكعك والقهوة الممزوجة بشيء من الرقي والمتعة، فقد أنفقت الشركة ملايين الدولارات على الدورات التدريبية للعاملين والتي تساعدهم على التحكم في مشاعرهم وردود أفعالهم وأيضًا ضبط النفس، فأصبحت الإرادة القوية هي المتحكم الرئيسي في كل تصرفاتهم، وهذا ما تفعله المؤسسات الناجحة بما فيها شركة ”ستاربكس“: تحول الإرادة القوية إلى عادة تلقائية.
الإرادة : مهارة أم نسيج !
في مطلع الستينيات، أُجريت تجربة شهيرة حيث اختبر الباحثون قوة الإرادة لدى مجموعة من الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم أربعة أعوام. اجتمع الأطفال داخل غرفة وقُدمت لهم مجموعة من الحلوى وهكذا كانت الصفقة: إما أن يتناولوا قطعة واحدة من الحلوى في الحال أو ينتظروا بضع دقائق فيتناولوا اثنتين. غادر الباحثون الغرفة تاركين الأطفال بمفردهم. لم يستطع بعض الأطفال مقاومة الحلوى وبادروا بتناولها في الحال والبعض الآخر وصلت نسبتهم 30٪ كبحوا رغباتهم ليضاعفوا مكافأتهم. بعد مرور سنوات عديدة، تعقب الباحثون بعض الأطفال المشاركين في التجربة واكتشفوا أن هؤلاء الذين ثابروا وتحكموا في رغباتهم يحققون أعلى التقديرات المدرسية، ويمتازون بشعبية كبيرة بين زملائهم، ويلتزمون بالمواعيد الدراسية والواجبات المنزلية، ولا يضعفون أمام ضغوط وإغواءات الآخرين وكأن مهارات التحكم وضبط النفس قد امتدت جذورها لتشمل وتؤثر في كل جوانب حياتهم. أُجري الكثير
من الأبحاث بعد ذلك إلى أن تم الوصول إلى نظرية عامة بحلول عام 1980 ، وهي أن الإرادة القوية مهارة مكتسبة.
ولكن في منتصف التسعينيات حدث ما لم يخطر ببال أحد. فقد اكتشف ”مارك مورافين“ أحد علماء النفس – هذه النظرية وأمعن النظر في هذه الدراسات ثم بدأ في طرح بعض الأسئلة والاستفسارات التي لم توفر لها الأبحاث السابقة إجابة وافية. فالمهارة
وفقًا ل”مورافين“ غير قابلة للتغير أو الاختفاء؛ فمن يستطيع الطهي يوم الأربعاء – على سبيل المثال – بالتأكيد يستطيع فعل ذلك باقي أيام الأسبوع. من هذا المنطلق تساءل ”مورافين“ لِمَ تغمره الحماسة في كثير من الأحيان ويُقبل على ممارسة الرياضة
بعد العودة من العمل دون أدنى إرهاق بينما يلازم الأريكة في أيام أخرى! فهل وهنت الإرادة وفقدت سلطتها على العقل والجسد؟ وإن كانت الإرادة مهارة كما يدَّعون، فكيف لها أن تتغير بين ليلة وضحاها؟! رأى ”مورافين“ أن الطريقة المثلى للإجابة عن هذه التساؤلات هي من خلال اللجوء إلى المعمل. فأعدَّ صحنًا مليئًا بالحلوى وآخر بنبات الفجل، ثم طلب من بعض الطلاب المشاركين في التجربة تناول الحلوى بينما أُجبِر الآخرون على تناول الفجل! أما عن آكلي الحلوى فانتابتهم سعادة بالغة بينما تناولت الفئة
الأخرى الفجل على مضض. انتظر ”مورافين“ خمس دقائق ليدخل الغرفة مرة أخرى. ووفقًا لتقديراته فإن آكلي الفجل قد مارسوا قدرًا هائلًا من الإرادة لتجاهل الحلوى المبعثرة أمام أنظارهم بينما لم يبذل الفريق الآخر أدنى قدر منها. بعد ذلك طالب ”مورافين“
الفريقين بإكمال متاهة هندسية بسيطة شريطة ألا يرفعوا أقلامهم عن سطح الورقة وألا يسلكوا الطريق الواحد أكثر من مرة. ولمن أراد الانسحاب فليقرع الجرس المقابل له. تطلبت هذه المهمة درجة عالية من الثبات والإرادة خصوصًا بعد التعرض للفشل أكثر من مرة. أخذ الباحثون يراقبون ردود أفعال الطلاب من خلف الزجاج فوجدوا أن آكلي الحلوى قد بدا على ملامحهم الهدوء والاسترخاء حتى أن أحدهم أعاد الكرَّة ما يقرب من خمس مرات أو يزيد دون كلل أو ملل. على الصعيد الآخر نجد أن الفريق
الثاني – بعد أن استنزفت إرادتهم وخضعت لضغط شديد – اختلفت ردود أفعاله تمامًا. فسرعان ما بدؤوا في التذمر وأُصيبوا بالإحباط، بل إن أحدهم قد خرج عن شعوره ليصيح بأن هذه التجربة عن بكرة أبيها ما هي إلا مضيعة للوقت! كما أن بعضهم قد رفع
رايات الاستسلام من الوهلة الأولى فأنزلوا رؤوسهم على الطاولة وأغمضوا أعينهم. وفي النهاية كانت مُحصلة الوقت الذي استغرقه آكلو الفجل الممتعضون في هذه المهمة ثماني دقائق فقط 60 ٪ أقل من الوقت الذي استغرقه الفريق الآخر.
توصل ”مورافين“ من خلال هذه التجربة إلى أن استنفاد القوة الإرادية لدى الأشخاص يجعلهم أكثر قابلية للتراخي والاستسلام، ومن ثم فالإرادة ليست مجرد مهارة كما يزعم البعض ولكنها أيضًا نسيج جسدي كغيره من الأنسجة المتحكمة بعضلات الأيدي
والأرجل، وبالتالي تضعف وتتمزق كلما ازداد الضغط عليها.
3- العادات المجتمعية هل نتحمل مسؤولية عاداتنا ؟
في أحد الأيام التقط رجل يدعى ”براين توماس“ هاتفه الجوال ليتصل بعامل الطوارئ قائلًا: ”أعتقد أنني قتلت زوجتي! فقد تهيأ لي أن شخصًا ما اقتحم المنزل فأخذت أقاومه بعنف حتى قتلته ولكن اتضح لي في النهاية أنها زوجتي! لا أدري هل كنت أحلم أم شيء من هذا القبيل… ما هذا الذي فعلته؟!“ ومن خلال التحقيقات اتضح أن هذا الرجل يعاني من مرض السير في أثناء النوم، وهو أحد الأشكال الشاذة لعمل العقل خلال فترة النوم. تتعقد وتتشابك سلوكيات الأشخاص الذين يعانون من هذا المرض، فمنهم من يفتح عينيه، أو يتجول في المكان، أو يقود سيارة أو ربما يُعد وجبة غذائية كاملة، وكل ذلك بينما هو فاقد للوعي. وقد ميز العلماء بين هذا المرض وبين ما يعرف بالذعر النومي، حيث يتعرض المصاب بالذعر النومي لنوبة من الاضطرابات المزعجة. والجدير
بالذكر أن سلوكيات الأفراد في أثناء هذه النوبة ما هي إلا عادات. فهي مجرد مجموعة من السلوكيات الروتينية المترسخة في عقولنا لدرجة تدفعها إلى العمل بتلقائية دون تحكم أو مثيرات خارجية، فحين يشعر المصاب بالذعر النومي بخطر يداهمه على سبيل المثال – تبدأ العادات المرتبطة بهذا المثير في العمل بتلقائية شديدة، فكم من المصابين بهذا المرض قد ألقوا بأنفسهم من أماكن مرتفعة معتقدين أنهم بذلك يهربون من شخص يطاردهم، وكم منهم قد قتل أطفاله متخيلًا أنه يحارب وحوشًا مفترسة! من هنا يتضح أن المصاب بالذعر النومي يمارس دورة العادات الثلاثية بمنتهى التلقائية أيًا كانت العواقب.
من ناحية أخرى، كان هناك رجل بائس هجرته أسرته وحطمته الظروف فوجد سلواه الوحيد في المقامرة. بدأ الرجل في ممارسة هذه العادة مرة واحدة أسبوعيًا، ولكن بمرور الأعوام تحول الأمر إلى نوع من الإدمان فلم يجد بدًا من الاقتراض والاستدانة حتى وصلت ديونه بحلول عام 2001 إلى 20000 دولار. اضطر بعد ذلك إلى إشهار إفلاسه، وإلغاء بطاقته الائتمانية، ثم جلس إلى الطاولة ليدون خطة مستقبلية لحياة أكثر التزامًا ومسؤولية، ولكن بعد مرور أعوام على توقفه عن المقامرة التي دمرت حياته، رجع إلى ما كان عليه ولكن هذه المرة لم تكن بمحض اختياره، وإنما بحكم العادة. فقد توفي والداه تاركين له ما يقرب من مليون دولار. وبمجرد أن تطأ قدماه أرض الملهى، تسيطر عليه عادة المقامرة فتتحكم في كل جوارحه ويتغيب عن الواقع، وظل على هذه الحال إلى أن خسر كل شيء مجددًا وألقي في السجن.
الآن نجد أنفسنا بين نموذجين: الأول قد قتل زوجته والآخر بدد ثروته ودمر حياته. هل تختلف نظرة المجتمع إلى كل منهما فيما يتعلق بتحمل مسؤولية عاداتهما؟
إن الفارق الوحيد الذي يميز بين كلتا الحالتين أن الأول قتل شخصًا بريئًا بينما الآخر قد خسر ثروته؛ أي أنه لم يؤذ سوى نفسه والشركة التي أقرضته 125000 دولار وخسرت أموالها هي الأخرى.
أما عن ”توماس“، فقد رآه المجتمع بريئًا وغير مسؤول عما حدث بينما حمَّل المقامر عواقب تصرفاته. ربما تكون هذه النظرة منصفة؛ فمن المتوقع أن يتعاطف المجتمع مع الأرمل المقهور أكثر مما يفعل مع المقامر المفلس، وتلك هي العادات المجتمعية!
ختام القول: قد لا تكون العادات بهذا القدر من البساطة الذي طالما اعتقدناه. ولكننا على الأقل نستطيع اختيار الملائم منها الآن بعد أن تعلمنا السبيل إلى ذلك. فللعادات سحر قوي يمتد تأثيره ليشمل كل جوانبنا الحياتية بما في ذلك ما نرتديه من ملابس، وما نعلمه لأطفالنا، وما ننجزه من أعمال في مؤسساتنا، بل وتتحكم حتى في طريقة نومنا، ولكل عادة محفز خاص وبالمثل مكافأة مميزة. وكما قال الفيلسوف ”أرسطو“: ”يرى بعض المفكرين أن النفس الصالحة تنبثق من الطبيعة، ويرى البعض الآخر أنها ثمرة للعادات، بينما أجمع آخرون على أنها نتيجة للتعليمات والتوجيهات.“ ولكن بالنسبة إلى ”أرسطو“، فالعادات تعتلي عرش هذه الافتراضات، ذلك أن السلوك التلقائي هو خير دليل على نفوسنا الصادقة. ”وبينما يتوجب علينا استصلاح الأراضي قبل الشروع في نثر البذور، بالمثل لا بد من تهيئة عقول التلاميذ وإعدادها لخلق واختيار العادات ما بين الصالح والطالح!“ -
الكاتبالمشاركات
يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع. Login here