كيف تساعد التكنولوجيا على تغيير عقل المدير؟ – د. مها فؤاد
يعمل التقدم العلمي والتكنولوجي على تحويل الطريقة التي تؤدي بها الشركات نشاطاتها العملية، وهذا أمر واضح للغاية.
ولكن الشيء الذي يُعد أقل وضوحاً هو كيفية تأثير هذا التقدم في الطريقة التي نفكر بها ونشعر، وبالتالي كيف نستهلك، ونعمل، وندير، ونقود.
ووفقاً لما جاء عن البارونة سوزان جرينفيلد، وهي مؤلفة معروفة، وأستاذة في علم الأدوية في جامعة أوكسفورد، فإن النمو الضخم في الإعلام الإلكتروني يعمل على تغيير عقولنا وأنظمتنا العصبية المركزية بصورة جذرية. والشركات التي لا تدرك هذا الأمر من الممكن أن تصبح ضحايا منسية للثورة التكنولوجية.
كلمة “تكنولوجيا” في نشأتها كلمة إغريقية عريقة الأصل، وتتألف من مقطعين: techno، بمعنى فن ، logos بمعنى المهارة ، ليعبر المقطعانِ معاً عن أنها “المهارة في فن التدريس” ، ولو أردنا أن نوجز مسمى لها يكون ” علم تطبيق فن المهارة في التدريس “.
ويعرفها (الفرا ،1999 :124) بأنها “التطبيق العملي للنظريات المعرفية في المجالات الحياتية وذلك بقصد الاستفادة منها واستثمارها ” .
كما يعرفها جلبرت ( مرعي ، والناصر ، 1985 : 6 ) بأنها : ” التطبيق المنظم للمعرفة العلمية وتكمن فحواها في تنظيم المعرفة من أجل تطبيقها في مجالات خاصة كالزراعة والصناعة والتربية “.
وفي ضوء ما تقدم يمكن الاستنتاج بأن التكنولوجيا هي منظومة العمليات التي تسير وفق معايير محددة ، وتستخدم جميع الإمكانات المتاحة مادية كانت أم غير مادية، بأسلوب فعال لإنجاز العمل المرغوب فيه، بدرجة عالية من الإتقان والكفاءة من أجل الرقي والتقدم وعلى ذلك فان للتكنولوجيا ثلاثة مصطلحات :-
التكنولوجيا كعمليات (Processes ) : وتعني التطبيق النظامي للمعرفة العلمية أي معالجة النظرية للخروج بناتج عملي .
وقضت جرينفيلد فترة طويلة من حياتها المهنية في العمل على دراسة الأمراض العصبية، مثل الزهايمر، والباركينسون، ولكن يستكشف آخر مؤلف لها، تحت عنوان “أناس غدٍ – Tomorrow’s People”، كيف ستعمل تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين على تغيير الطريقة التي يفكر، ويشعر، ويتصرف بها الناس.
وحذرت جرينفيلد في المقابلة التي أجرتها وورلد بيزنس معها، من أن تلك التغيرات ستحوّل العلاقة بين الشركات وموظفيها، والطريقة التي تتشكل بها الشركات نفسها. وتقول: “بدأنا فعلاً نرى تأثير ثورة تكنولوجيا المعلومات في مواقع العمل”. وتضيف قائلة: “إن العمل أمام الشاشة يحظى بتأثير هائل في الطريقة التي نفكر بها، ونعالج بها المعلومات. وإن ثقافة الشاشة لا تساعد على أخذ وقت للتفكير، حيث إن كل شيء متاح فوراً.
والنتيجة هي تفكير أيقوني (أي مرتبط بالضغط على الأيقونات)، وبالتعديلات السريعة، وفترات الانتباه القصيرة”. وستعمل تلك التطورات على توليد بعض التغيرات الاجتماعية الإيجابية، كما تقول جرينفيلد. على سبيل المثال، بينما يختار المزيد من الناس العمل من المنزل، ستكون الشركات قادرة على تقديم المزيد من ممارسات التوظيف المرنة.
وتلك ستكون أخبارا جيدة بالنسبة لكبار السن، والأشخاص العاجزين جسدياً، وهم في العادة أشخاص غير قادرين على الوجود جسدياً في المكتب، ولكن لا تزال ثقافتهم ومهاراتهم ثمينة. وتقول جرينفيلد: “إن توافر التكنولوجيا سيعني أن الناس سيبقون رشيقين ذهنياً بينما يتقدمون في العمر، ولن يكون هنالك سبب يمنعهم من مواصلة العمل”.
وتحذّر جرينفيليد من أن تغيرات أخرى سوف تعرّض الشركات لتحديات صعبة. وبما أن عقول الناس في تطور، كذلك فإن حوافزهم وطموحاتهم ستتحول تباعاً. وتقول: “إن مقاييسنا للرضا الذاتي والإنجاز سوف تكون مختلفة جداً في المستقبل”.
وتضيف: “نحن نفترض أن الناس يريدون العمل لدى غيرهم من الناس، ولكن تلك لن تكون الحال في المستقبل. ففي الوقت الراهن نستمد الكثير من متعتنا من المكانة، ولكنني أعتقد أن ذلك سوف يتعرض للتحدي عما قريب، حيث إن الناس لن يكونوا محفّزين على ذلك النحو فحسب.
فما هو إلا سباق تسلح آخر، وأعتقد أننا سنتطور إلى نقطة حيث لا يكون الناس مهووسين فيها بالمكانة”. ومن الممكن أن يعمل ذلك على رسم النهاية للشركات التقليدية، والجامدة، كما تقول. وبما أن العديد من الأسس المنطقية لتشكيل الشركات الكبرى، على سبيل المثال تقليص تكلفة جمع المواد، تصبح أقل أهمية، فسوف تنشأ وحدات أصغر وأقل أهمية وأكثر افتراضية، وهي مستقلة، ولكنها تعمل من خلال مجموعة متنوعة من شبكات غيرها من المؤسسات، كما تصر جرينفيلد.
إنه مقياس للتأثير المتنامي لأفكار جرينفيلد بأن دعيت لحضور مؤتمر لندن في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لمواجهة عدد من شخصيات النشاطات العملية الرائدة في العالم.
ويتحدث برفقتها كولين باول، وريتشارد برانسون، وألان شوجار، وبوب جيلدوف، وستخبر جرينفيلد الوفود كيف ستعمل التكنولوجيا على تغيير الطريقة التي يحتاج القادة إلى التفكير والتصرف بها في المستقبل.
وإن إحدى الرسائل التي تنوي جرينفيلد إيصالها هي عندما يكون التغيّر حتمياً، يمكن للشركات اختيار كيفية استجابتها للتغيّر. وتقول: “من غير الدقيق التفكير بأنفسنا كـ “ضحايا” للتغير التكنولوجي”. وتضيف: “ولكن علينا أن نتيقّظ، ونكون إيجابيين”.