عندما يصبح النقد الذاتي وسيلة لإصلاح الفرد والمجتمع – د. مها فؤاد
من العادات الاجتماعيّة التي يستخدمها كثيرٌ من النّاس عادة النّقد، فالنّقد هو أداة سلوكيّة توجيهيّة يتم تطويعها من أجل أهداف معيّنة، وقد يكون النّقد خارجيًّا و قد يكون النّقد ذاتيًّا من نفس الإنسان.
فالنّقد الخارجي هو النّقد الذي يوجّه من إنسان إلى إنسان آخر، بينما النّقد الذّاتي هو النّقد الذي يوجّهه الإنسان لنفسه ولذاته.
وميّز علماء الاجتماع بين النّقد الإيجابي والنّقد السّلبي؛ فالنّقد الايجابي هو الذي يكون هدفه نبيلاً وغايته سامية، بينما النّقد السّلبي يكون بدافع الغيرة، أو الحسد، أو غير ذلك من آفات النّفس، ويكون على الأغلب بدون غاية أو هدف.
إنّ أهميّة الّنقد الذّاتي في بناء الفرد والمجتمع كبيرة، فشخصيّة الإنسان هي مجموعة السّمات والخصائص الشّخصية التي تميّز كلّ إنسان عن الآخر، وكثير من سمات الشّخصيّة قد تتغيّر إلى الأفضل ويكون النّقد الذّاتي أداة تساهم في إحداث التّغيير في شخصيّة الإنسان، وبالّتالي تصحيح مساره في الحياة نحو الأفضل والأكمل.
ومثال على ذلك أن يقوم الإنسان بنقد ذاته حين يتبيّن أوجه من أوجه القصور فيها فيقوم بتقويمها وإصلاحها، فالإنسان حين يرى نفسه كسولاً محبًّا للرّاحة والنّوم مثلًا لفترات طويلة، ويتبيّن أنّ هذا الأمر قد يشكّل له عقبة تجاه تحقيق كثيرٍ من الأمور والغايات فيكون النّقد الذّاتي لنفسه من خلال محاسبتها على ذلك وتذكيرها دائمًا بفوائد النّشاط والحركة ومساوىء الكسل والخمول.
ولا شكّ بأنّ هذا الأمر يسهم في بناء النّفس الإنسانيّة من خلال تذكيرها بالمثل، والقيم، والمبادىء التي ترفع من شأنها وتعلي قيمتها بين النّاس.
وإنّ محصلة النّقد الذّاتي لكل فردٍ من أفراد المجتمع أن ينتج مجتمع راشد يقوّم نفسه باستمرار ويوجّه مسيرته نحو بوصلة تحقيق الأهداف والغايات التي ترتقي بالمجتمع والأمّة.
وكذلك من ثمار النّقد الذّاتي تغيير الحالة التي يكون عليها الفرد والمجتمع بحيث يلمس الإنسان آثار هذا التّغيير رغدًا في العيش وسهولة في الحياة، وإنّ سنّة التّغيير هذه من سنن الكون والحياة، قال تعالى: “إنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم”، فبداية التّغيير إذن في واقع الحياة تكون بتغيير الأنفس وتقويمها.
وأخيرًا إنّ النّقد الذّاتي هو وسيلة مهمّة لكثيرٍ من السّاسة والحكّام من أجل تصحيح مسارهم، وتعديل برامجهم، وتقويم سياستهم في إدارة شؤون الرّعيّة، وقد ضرب السّلف الصّالح من الخلفاء المسلمين خير مثال على ذلك، فقد كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه مثالًا في محاسبة النّفس ونقدها، لذلك استطاع بناء دولةٍ إسلاميّة مترامية الأطراف يرهبها القاصي والدّاني