“إيمان أحمد أرشيد: نموذج للمرأة المكافحة التي تحدت الصعاب لخدمة المجتمع الأردني
بدأت رحلة الأستاذة إيمان في بيئة بسيطة، حيث ترعرعت في أسرة مكونة من أربعة أفراد، وكان والدها يعمل جندياً، في فترة من الفترات، قرر والدها مغادرة الأردن متوجهاً إلى ألمانيا بحثاً عن عمل لتحسين دخل أسرته، لتبقى إيمان وأفراد أسرتها في انتظار عودته، تحت ظروف معقدة وصعبة، حتى استطاعت أن تقهر التحديات وتبني مستقبلاً مشرقاً ليس فقط لنفسها، بل لمجتمعها ووطنها.
بعد عودة الوالد إلى الأردن، عمل في شركة البوتاس العربية في الأغوار الجنوبية بمحافظة الكرك، مما ساهم في تحسين الوضع المعيشي للأسرة، هذه التجربة علمتها إيمان الكثير عن أهمية التنوع الثقافي والاجتماعي، إذ نشأت في بيئة مدرسية ضمت العديد من العرب والأجانب، ما جعلها تتعامل مع شريحة واسعة من الأشخاص، وهذا أثر بشكل إيجابي على شخصيتها وأفق تفكيرها.
بداية النجاح العلمي
إيمان لم تقتصر اهتماماتها على حياتها الشخصية فقط، بل كانت دائماً تطمح لتحقيق النجاح الأكاديمي، في عام 1991، وبالرغم من الصعوبات التي مر بها العالم العربي من جراء حرب الخليج، تمكنت إيمان من أن تكون الأولى على مستوى لواء الأغوار الجنوبية في الشعبة الأدبية للثانوية العامة، وكان لهذا الإنجاز تأثير كبير على مسيرتها المستقبلية، حصلت على منحة دراسية من وزارة التربية والتعليم، إضافة إلى منحة أخرى من شركة البوتاس، إلا أنها قررت أن تتخلى عن المنحة الثانية لتمنح فرصة لغيرها من الطلاب للاستفادة منها.
الإعلام والصحافة
رغبة إيمان منذ صغرها في دراسة الإعلام والصحافة، وهو ما تحقق بالفعل عندما التحقت بجامعة اليرموك لتصبح مذيعة وصحفية بارزة، هذه التجربة كانت بداية لشغفها بالإعلام ودوره في التغيير المجتمعي، حيث مهدت لها الطريق نحو أن تكون جزءاً من الحركة الإعلامية في الأردن.
دور المرأة في المجتمع
إيمان لم تقتصر جهودها على العمل الأكاديمي والإعلامي فقط، بل كان لها دور بارز في العمل التطوعي والمجتمعي، فقد كانت جزءاً من المبادرة التي ساهمت في تأسيس نقابة للمعلمين، وعملت على تعزيز دور المرأة في المجتمع الأردني. أدركت إيمان أهمية تمكين النساء من أخذ زمام المبادرة في حياتهن، خاصة في مجتمعها المحلي حيث كان يُمارس الزواج المبكر على الفتيات، وهو ما كان يعرضهن للعديد من المشاكل الاجتماعية والنفسية.
من خلال هذه التجربة، أسست إيمان مع مجموعة من زملائها جمعية “الخنساء النسائية”، والتي تهدف إلى تعزيز العمل التطوعي وتشجيع النساء على أخذ دورهن الفعال في المجتمع. كانت الجمعية بمثابة منصة للمساهمة في نشر ثقافة الدعم المتبادل بين الأمهات والطالبات، وذلك لتحسين الوضع الاجتماعي والأسري.
تحديات وصراع مع الأنظمة
لم يكن الطريق أمام إيمان مفروشاً بالورود، ففي إحدى المرات، تم تعيينها في إحدى القرى النائية في الجنوب الأردني لمتابعة حسابات التعليم الإضافي، حيث وجدت أن الطلاب يدرسون على الأرض في ظروف بالغة السوء، شعرت إيمان بأن هذا الوضع يتطلب تدخل الإعلام، فبادرت بالاتصال بأحد البرامج التلفزيونية للكشف عن هذه الحقيقة، وقد أدى ذلك إلى تسليط الضوء على تقصير وزارة التربية والتعليم في هذا المجال، ليتم وقف إيمان عن العمل في البداية، لكن إيمان لم تصمت، بل قررت مقاضاة الوزارة، وبفضل إصرارها وعزيمتها، استطاعت العودة إلى عملها منتصرة بعد معركة قانونية استمرت لفترة.
الاعتراف بإنجازاتها
توجت جهود إيمان المستمرة في العمل الأكاديمي والاجتماعي بتكريمات عدة، كان أبرزها حصولها على جائزة الملكة رانيا للمعلم المتميز في عام 2011، كما كرمت في مؤتمر “المرأة نصف المجتمع” من الشريفة نوفة بنت ناصر، برعاية الدولة، عن دورها في تمكين المرأة وتعزيز مشاركتها في الحياة العامة.
إيمان أحمد أرشيد ليست مجرد شخصية عامة، بل هي نموذج حي للمرأة التي تتحدى الظروف الصعبة، وتجعل من المستحيل أمراً قابلاً للتحقيق، مسيرتها مليئة بالإنجازات التي تروي قصة إصرار وعزيمة، وهي تشكل مصدر إلهام لكل من يسعى لتحقيق التغيير في مجتمعه، ورغم كل التحديات التي واجهتها، لم تتوقف إيمان عن العمل والتطوير، بل ظلت ترفع راية العلم والعمل التطوعي، ساعية إلى خدمة مجتمعها ورفعته.
إيمان أرشيد ليست مجرد شخصية مشرفة للمرأة الأردنية، بل هي رمزٌ للمرأة المكافحة التي تثبت يوماً بعد يوم أن الطموح لا يتوقف عند حدود، وأنه يمكن للإنسان أن يحقق النجاح مهما كانت الظروف.