Back
مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #10879
    admin
    مدير عام

     
    عوامل ادراك المخاطر
    هناك عدد لا بأس به من العوامل التي تؤثر على إدراكنا للمخاطر، لكنها جميعًا محكومة بعدة مفاهيم عامة. ويمكن لنفس العامل أن يتسبب إما في تهدئة الخوف أو إثارته وزيادته. أول مبدأ مهم هنا هو: يمكن لكل عامل من عوامل إدراك المخاطر أن يتسبب في جعلنا إما أكثر أو أقل خوفًا. المبدأ الثاني: هناك العديد من عوامل إدراك المخاطر، وعادة ما قد يظهر أكثر من واحد في أغلب المواقف. هناك مبدأ ثالث مهم أيضًا، وهو: عوامل إدراك المخاطر إنما هي جزء واحد فحسب من النظام البشري الوجداني لإدراك المخاطر، والذي يعد عبارة عن تفاعل معقد للعديد من مكونات الوعي واللاوعي في عقولنا.
    عامل رقم 1 : المخاطرة في مواجهة الفائدة
    البشر خبراء اقتصاديون بالفطرة! فنحن طيلة الوقت نزن في عقولنا عمليات ومعادلات ومفاضلات، في بعض الأحيان نفعل هذا بشكل واع، لكن في كثير من الأحيان نفعله بشكل لاواع: مفاضلات حول المال، أو حول كيفية قضاء الوقت، أو كيفية إنجاز مهمة ما. يحدث الأمر ذاته مع المخاطر. نحن نزن ببديهية وبالاستعانة بحدسنا المفاضلات بين المخاطر والفوائد أو المنافع، ونحن غالبًا
    ما ننتقص من أهمية المخاطرة لنتمتع بالفائدة، يحدث هذا في بعض الأحيان بطرق تخلق فجوات إدراك خطيرة.
    نحن مثلًا نجازف بقبول وظائف تنطوي على مخاطر لنتمتع بفائدة الراتب المرتفع. أيضًا عندما نستخدم هواتفنا الجوالة في أثناء القيادة فنحن نجازف بالتعرض للإصابة أو حتى الموت لنتمتع بفائدة البقاء على اتصال بالآخرين. الأمر هنا لا يندرج تحت التحليلات الكمية الواعية، بل يندرج تحت قائمة أحكام لم يتم التمعُّن فيها والمفاضلة ما بين المخاطر والفوائد. وحينما ينطوي اختيار ما على
    الاثنين معًا المخاطر والفوائد فإن الفائدة تزداد في أعيننا كلما قللنا من أهمية وحجم المخاطر في أذهاننا. ومن ناحية أخرى، كلما قلت الفائدة بدت لنا المخاطر أكثر عظمًا وضخامة.
    عامل رقم 2 : التحكم
    القدرة على التحكم والسيطرة في مجريات الأمور عامل قوي لإدراك المخاطر ويضرب بجذوره بعمق في البشر، والدليل على ذلك الضرر النفسي الذي يعاني منه الناس عند اختبارهم لحالة حادة من الخوف والضغط النفسي عند حدوث أمر خارج عن سيطرتهم. ولقد أثبتت العديد من الدراسات أن الأشخاص الذين يتمتعون بحس من السيطرة والتحكم في الأمور في أثناء تعرضهم لتجربة صادمة أقل عرضة للإصابة باضطراب نفسي، أو يعانون من أعراض أقل خطورة لهذا الاضطراب.
    عامل رقم 3 : الاختيار
    تذكر أنه يمكن لعوامل إدراك المخاطر أن تجعل الخوف يتعاظم أو يتضاءل. وكلما بدت المخاطرة أكثر حتمية/ لا إرادية، كان من المرجح أن تثير المزيد من القلق والانزعاج. لكن إذا كنا نتمتع بالخيار، ستجدنا نقفز طواعية من جسر مرتفع وليس معنا سوى قطعة من الحبل المطاطي مربوطة حول أقدامنا، أو نثرثر في الهاتف في أثناء قيادة السيارة، أو حتى نوافق على دفن مخلفات نووية خطيرة في حيِّنا!
    عامل رقم 4 : هل المخاطرة طبيعية أم من صنع الإنسان ؟
    أي شخص أصيب بتسمم غذائي بعد تناول فطر سام، أو شاهد البرامج التي تقتل فيها الأسود والضباع فرائسها وتلتهمها، يعلم أن الطبيعة قد لا تكون لطيفة المعشر في بعض الأحيان، لكن عندما يتعلق الأمر بأحكام نطلقها بشأن مخاطرة ما، يصير التهديد الذي تكون الطبيعة مصدره أقل إثارة للقلق مقارنة بتهديد من صنع الإنسان. فكر مثلًا في القوانين المُنظمة للأدوية في العديد من الدول. ستجد أن هناك عددًا أقل بكثير من الضوابط على العلاجات الطبيعية والعشبية مقارنة بالضوابط المفروضة على الأدوية التي
    يصنعها البشر، هذا على الرغم من أن النوعين نشطان على المستوى البيولوجي، وأن أغلب الأدوية التي يصنعها الإنسان تعد مجرد نسخ مصنعة لمادة طبيعية ما. لماذا لم نطالب بفرض نفس الضوابط على الأدوية العشبية والطبيعية؟ السبب في هذا يرجع إلى حد كبير  إلى أننا غير قلقين بدرجة كبيرة من المخاطر النابعة من مصادر طبيعية مقارنة بقلقنا تجاه المخاطر التي يصنعها
    البشر. يمكن لهذا أن يتسبب في فجوة إدراك خطيرة.
    عامل رقم 5 : الألم والمعاناة
    كلما تعاظم الألم والمعاناة، تعاظم الخوف. لماذا تتصدر حوادث هجوم أسماك القرش عناوين الصحف في ولاية ”نبراسكا“ التي لا تطل على أي ساحل على الإطلاق؟
    الإجابة هي الألم والمعاناة الناجمَين عن تلك الحوادث. لماذا تنفق ”الولايات المتحدة الأمريكية“ مليارات الدولارات على أبحاث مرض السرطان أكثر مما تنفقه على أبحاث أمراض القلب التي تشكل تهديدًا أكبر؟ السبب في هذا – إلى حد ما – هو ما يذاع عن الألم والمعاناة الناجمَين عن ذلك المرض. الجانب الآخر لعامل الألم والمعاناة لإدراك المخاطر هو أنه يتركنا ونحن أقل خوفًا
    من بعض التهديدات الخطيرة والتي قد تؤذينا حقًا، فقط لأنها – نسبيًا – أقل إيلامًا.
    عامل رقم 5 : التشكك / المجهول
    لماذا تشعر أنه من المخيف قيادة السيارة بينما عيناك مغلقتان؟ لأنه لن تكون لديك المعلومات التي تحتاجها لتحمي بها نفسك. ربما لا تزال يدك ممسكة بمقود السيارة، لكن عقلك لا يتمتع بقدر كاف من السيطرة على الأمور لأنه لا يعرف ما يحتاج إلى معرفته ليبقيك آمنًا. إن غلق عينيك يزيد من المجهول، فتتحول استجابتك للمخاطر من الجزء العقلاني المعتمد على الحقائق إلى الجزء الذي يعتمد بشكل أكبر على المشاعر والغريزة ليبقيك آمنًا. كلما تشككنا أكثر زاد خوفنا على الأرجح. ويعمل
    الاثنان التشكك والخوف جنبًا إلى جنب في أغلب المستويات البيولوجية الأساسية للاستجابة للمخاطر. ولقد أثبتت فحوص التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أننا عندما نتعرض إلى شيء قد يشكل تهديدًا، نصير أقل تيقنًا، وتصير لوزتنا العصبية أكثر نشاطًا، فهي بالطبع تصبح أكثر انشغالًا مع محاولتها معرفة ما إذا كنا في حالة خطر أم لا.
    يتخذ التشكك أشكالًا عدة. سنطلق على الشكل الأول من التشكُّك اسم ”لا يمكنني رؤية هذا.“ فأنت مثلًا أشبه بمن يقود بشكل أعمى إذا كان لديك سبب ما يدعوك للاعتقاد بوجود خطر من حولك لكن لا يمكنك رؤيته (لا يمكنك معرفة ما تحتاجه لتحمي نفسك). شكل آخر للتشكك هو ”لا أفهم هذا.“ لا يهم إذا ما كان العلم لديه كل الإجابات أم لا، ما يهم هو مدى فهمنا لهذه الإجابات، فإن لم نكن نفهمها نكون كما لو أننا لا نملك أية إجابات في المقام الأول (مرة أخرى نقود بعينين مغمضتين). الشكل الثالث للتشكك شائع ومشترك بين العديد من المخاطر المعاصرة، وهو ”لا أحد يعلم.“ لا أنت، ولا نحن، ولا العلماء. ببساطة، نحن لم نجد الإجابات بعد.
    عامل رقم 7 : كارثي أم مزمن ؟
    أنت لا تسمع الكثير عن معدل الوفيات الكارثي الناتج عن أمراض القلب، لكنك تسمع كل شيء عن الكوارث على شاكلة تحطم الطائرات وما شابه. لماذا؟ تتمتع كلمة ”كارثي“ بثلاث صفات مهمة تجعلنا نقلق بشكل أكبر، فقاموس ”أمريكان هيريتيدج“ يعرف الكارثة كالتالي: ”مصيبة هائلة وغالبًا ما تكون مفاجئة.“ إذن ينبغي أن تكون الكارثة ضخمة وتحدث على حين غرة، كما ينبغي
    أن يكون بها أمر فاجع وصادم وسيئ للغاية. بالطبع تنطبق كل هذه الأمور وبجدارة على حادث تحطم طائرة. يقتل الحادث الكثير من الأشخاص دفعة واحدة، وفي مكان واحد، وبطريقة مروعة للغاية. أما أمراض القلب – مثلها مثل أغلب مسببات الوفاة الرئيسية – لا تستوفي إلا معيارًا واحدًا فحسب، هذا حتى ولو قتلت 1800 شخص في ”الولايات المتحدة“، و 800 شخص في ”الأرجنتين“،
    و 480 شخصًا في ”ألمانيا“، و 440 شخصًا في ”اليابان“، و 300 شخص في ”إنجلترا“، وقرابة 100 شخص في جنوب إفريقيا – هذا يحدث يوميًا!
    عامل رقم 8 : المخاطر المتعلقة بالأطفال 
    تستدعي أي مخاطر قد تمس الأطفال المزيد من مشاعر الخوف مقارنة بالمشاعر التي تستدعيها لو كانت تؤثر على أشخاص كبار فقط. هذا أمر منطقي ومفهوم على أبسط المستويات البيولوجية. نحن لدينا حافز جيني للنجاة، ولدينا حافز جيني للتكاثر ولمساعدة الجنس البشري على النجاة والبقاء على قيد الحياة. أي شيء يهدد أجيال المستقبل  أطفالنا يهدد الجنس البشري بأكمله. إن غريزة حماية أطفالنا قوية للغاية، وعالمية جدًا، ويكاد يكون مؤكدًا أن عامل الاستجابة للمخاطر هذا مترسخ بعمق في تكويننا البيولوجي. ولهذا السبب نحرص باستمرار على أن يرتدي أطفالنا خوذاتهم عند ركوب الدراجة حتى ولو لم نرتدِها نحن، أو نقول لهم ألا يدخنوا حتى ولو كنا مدخنين.
    عامل رقم 9 : التجسيد
    تتجسد المخاطر التي يكون شخص محدد طرفًا فيها في أذهاننا حتى ولو كانت لا تهددنا بشكل شخصي وتصبح أكثر واقعية مقارنة بما لو سمعنا عنها بشكل مجرد. فمثلًا، إذا وقع أمر سيئ لشخص ما، فغالبًا ما ستجد نفسك تفكر لاشعوريًا في أنك قد تصير مكانه. أما إذا وقع لمجموعة من الأشخاص، فما المشكلة؟! هذا تحديدًا يفسر ما لاحظه ”جوزيف ستالين“ عندما قال: ”تعد حالة الوفاة الواحدة
    مأساة، أما المليون حالة وفاة فهي مجرد إحصائية.“
    تضييق فجوة الإدراك : أساليب عملية لإتخاذ قرارات أفضل
    ❂ليكن عقلك متفتحًا. تذكر أن الاستجابة التفاعلية للمخاطر قد تبدو أمرًا صحيحًا، لكنها قد تعرضك أيضًا للمتاعب. لأجل سلامتك الشخصية، حاول أن تتمتع بعقل متفتح، بحيث لا تخنق مشاعرك وغرائزك ما قد تقدمه لك الحقائق.
    ❂امنح نفسك بعض الوقت. تذكر أن عقلك معد للخوف  أولًا ثم التفكير ثانيًا. لذا لاحظ أن استجابتك الأولى ستتأثر بقوة بمشاعرك وغرائزك، وهو ما قد يؤدي إلى فجوة إدراك. حاول أن تمنح نفسك بضع دقائق (أو أكثر) إن أمكن قبل الحكم على أية مخاطرة،
    لتسمح للجزء التحليلي في نظام إدراك المخاطر بأن يتشارك العمل مع الجانب الوجداني القوي.
    ❂احصل على المزيد من المعلومات. افترض فقط أنك  لا تعلم كل ما تحتاج إلى معرفته لاتخاذ قرار سليم. معرفة المزيد = اتخاذ قرار أفضل.
    ❂احصل على معلوماتك من مصادر محايدة. ابذل قصارى جهدك لتحصل على معلوماتك من مصادر موضوعية وموثوق فيها، مصادر ليس لديها أي تحيز ظاهر.
    ❂استعن بالأسئلة التالية التي يجب طرحها حول أية مخاطرة. ما الذي تعنيه المخاطرة؟ بصفة عامة وببساطة المخاطرة هي احتمالية حدوث أمر سيئ.
    لكن على المستوى العملي، المخاطرة تعني وجود شيء خطير مع التعرض له. لا بد من توفر أمرين لتوجد مخاطرة مادية حقيقية. أولًا، يجب أن يوجد شيء ما يحتمل أن يكون خطيرًا. ثانيًا، أن تكون عرضة للخطر. مع ذلك مجرد معرفة أن العاملَين متوفرَان ليس كافيًا إطلاقًا. التفاصيل مهمة هنا. فحتى لو كان شيء ما خطر بالفعل، عليك أن تعرف ماهية خطورته. ولمن هو خطر؟ وإلى أي مدى تصل خطورته؟ وبالطبع، ما الأمور التي يعد خطرًا فيها؟ هناك أيضًا أسئلة رئيسية يجب طرحها حول مسألة التعرض للخطر. إلى أي مدى تعد نسبة معينة من التعرض للمخاطرة مؤذية؟ وما طول الفترة الزمنية لهذا التعرض؟ وفي أي عمر؟ ما الطرق التي تتعرض من خلالها للمخاطرة؟
    ❂فكر في المفاضلات. نحن بطبيعتنا نكره الخسارة  ونميل إلى التركيز على المخاطر، لكن تذكر أن أغلب خيارات المخاطر تنطوي على مفاضلات، في بعض الأحيان تكون بين المخاطر والفوائد، وفي أحيان أخرى تكون بين المخاطر ومخاطر أخرى.
    ❂فكر بنفسك. تذكر أن الهدف من وراء اتخاذ قرارات أفضل هو تعلم شيء جديد، وليس فقط تعزيز ما تعرفه وتؤمن به بالفعل.
    ❂استوعب الأخبار بأسلوب أكثر ذكاء. حاول أن تنظر بتمعن في عوامل إدراك المخاطر السابقة وابحث عن معلومات عن تلك المخاطر. والحل لمواجهة مسألة الانزعاج من وسائل الإعلام والأخبار لا ينطوي على قراءة أو مشاهدة الأخبار أو الاستماع إليها بمعدل أقل. بل بالعكس، اقرأ وشاهد واستمع إلى المزيد من الأخبار.
    ماذا سنفعل ؟
    على الرغم من تمتعه بكل هذه القوة، لا يعد النظام الوجداني للإدراك مثاليًا أو كاملًا. فمع تطوره تدريجيًا، يمكن لهذا النظام أن يرتكب أخطاء حيال التحديات المعاصرة الأكثر تعقيدًا، أخطاء قد توقعنا في المشاكل. إذن، ماذا سنفعل؟ ليس بإمكاننا أن نتصرف كما لو كنا آلات مثالية للتفكير المنطقي. كما لا يمكننا أن نثق في أنفسنا للقيام بالتصرف الصحيح في كل مرة يختلط فيها منطقنا مع مشاعر وغرائز ليست مهيأة ولا يعتمد عليها بعد للتعامل مع أنواع التهديدات التي نواجهها حاليًا. ولا يمكننا أيضًا انتظار المرور بتطور من نوع ما لنتمكن من علاج الصعوبات التي نواجهها، فنحن كما هو واضح نفسد الأمور على نحو سيئ للغاية وبسرعة شديدة لا تسمح لنا بالانتظار للفترة الزمنية المطلوبة لننمي أو نطور المزيد من القدرات. ما يمكننا فعله حقًا لنتجنب المخاطر الناتجة عن عدم تناسب خوفنا مع الحقائق أكثر شيء عقلاني يمكن فعله هو فهم النظام الوجداني للاستجابة للمخاطر بشكل أكثر عمقًا، وفهم كيف يؤثر كل جزء فيه على إدراكنا ويشكل أحكامنا وتصرفاتنا، ثم علينا بعد ذلك أن نستغل تقييم الذات هذا لنفكر في الأمور بتعمق وبشكل أكثر دقة وأكثر شمولية وأكثر مصداقية. ستجعلنا هذه النظرة الشمولية لنظام الاستجابة الوجداني للمخاطر نعرف أنفسنا على نحو أفضل، ونفكر بأسلوب أكثر دقة ، ونصبح قادرين على اتخاذ خيارات أفضل وأكثر حكمة.

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)

يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع. Login here