Back
مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #10871
    admin
    مدير عام

    العلاقة غير المتكافئة بين الحقائق والمخاوف 
    أنت على الأرجح رأيت هذه الظاهرة بين أفراد عائلتك أو أصدقائك، بل وربما لاحظتها على نفسك أنت شخصيًا عندما لا يبدو أن مخاوفك تتناسب مع الحقائق. هذا يحدث لنا جميعًا؛ فنحن في بعض الأحيان نخاف بشكل مبالغ فيه من أمور يشير الدليل العلمي إلى أنها مخاطر صغيرة نسبيًا.
    من ناحية أخرى، نحن غالبًا ما لا نخاف بما فيه الكفاية من المخاطر التي يشير الدليل العلمي إلى وجوب القلق حيالها بشكل أكبر! غالبًا ما يتأثر أسلوب إدراك المخاطر هذا بوسائل الإعلام والسياسيين ورجال التسويق، لكن هذا التأثير بسيط وساذج. لذلك فإن الهدف الأول هنا هو تقديم شرح أكثر تعمقًا للمصدر الذي ينبثق منه فعليًا إدراكنا للمخاطر. أما الهدف الثاني فهو تحويل هذه الظاهرة التي سنطلق عليها ”فجوة الإدراك“  والتي يمكن أن تصير مؤذية إلى مصدر خطر في حد ذاتها، حيث تعد فجوة الإدراك – أي المسافة المحتملة بين مخاوفنا والحقائق – مخاطرة نحتاج إلى ملاحظتها لنتمكن من تقليصها. هذا ينقلنا إلى الهدف الثالث: اقتراح أساليب لتحقيق حالة من الفهم للمصدر الذي تنبع منه مخاوفنا، كي نتمكن من تضييق فجوة الإدراك والقيام بخيارات أفضل.
    الاستجابة للمخاطر 
    النظام الذي نستجيب من خلاله للمخاطر استثنائي ومميز، فهو عبارة عن مزيج رائع ومعقد من الوصلات العصبية، والتفاعلات الكيميائية، علاوة على عمليات سيكولوجية غير واعية، ومشاعر غريزية، وقوة معرفية مستندة إلى الحقائق. إنه نظام رائع وخلاب وقوي، وهذا ما يجب أن يكون عليه حقًا، فهو المسؤول عن نجاتنا وبقائنا على قيد الحياة! سنسمي هذا النظام بنظام الاستجابة للمخاطر. عندما يتعلق الأمر بإدراك واستيعاب المخاطر، لا يكون البشر عقلانيين ولاعاطفيين، فنحن وجدانيون. والوجدانيون هم أشخاص يقيِّمون المخاطر باستخدام عقولهم وقلوبهم معًا ، واستنادًا إلى الحقائق ومشاعرهم، وإلى غرائزهم وقيمهم، وإلى الأفكار الثقافية والخبرات الشخصية والظروف الحياتية. (يعتمد ”الوجداني“ على مفهوم ”الاكتشاف الوجداني والذي يشير إلى أن أحكامنا على المخاطر معتمدة على كل من الحقائق، وشعورنا حيالها.)
    عقلك يرتعد خوفا واللوزة العصبية تهب لإنقادة
    إليك ما يحدث حقًا في اللحظات الحاسمة الأولى عند الاستجابة للمخاطر. تتسارع البيانات البصرية المبدئية لتنتقل من عينيك إلى منطقة في المخ تسمى المهاد، وهي عبارة عن مجموعة من الخلايا الفريدة الموجودة في أعماق مركز مخك وتلعب دور محطة البث. يتلقى المهاد المعلومات من جزء معين من المخ، أو من العالم الخارجي عبر حواسك الخارجية، ثم يستوعب ويعالج
    المعلومات للحظة. في حالة وجود ثعبان مثلًا، يحوِّل المهاد المعلومات البصرية إلى خط ضبابي غير واضح، ثم ينقل هذه المعلومات المعالَجة جزئيًا بسرعة إلى مناطق أخرى من المخ الذي يحدد استجابتك لهذا الخطر المحدق. كل هذا يحدث في مدة لا تتجاوز بضعة آلاف من الثانية. إحدى المناطق التي يرسل المهاد البيانات إليها هي قشرة الدماغ المرتبطة بالمعرفة، فهناك نقوم بتفكيرنا الأعلى تنظيمًا ونتخذ قراراتنا بشكل واعٍ. يرسل المهاد صورة الخط الضبابي تلك إلى منطقة أخرى من المخ تسمى اللوزة هذا هو جزء المخ الذي تبدأ فيه .Amygdala العصبية مشاعر الخوف. اللوزة العصبية هي بطلة العرض هنا، فهذه المنطقة التي لا يزيد طولها عن بوصة واحدة من خلايا المخ الفريدة والتي تشبه إلى حد ما حبة اللوز ضرورية للغاية لإبقائك على قيد الحياة.
    العقلانية المقيدة
    تجبرنا رغبتنا في البقاء على قيد الحياة ما بين هذه اللحظة واللحظة التالية على إطلاق أحكام واتخاذ قرارات حتى لو لم يكن لدينا كل الحقائق، أو الوقت الكافي للوصول إلى كل الحقائق، أو الذكاء الكافي لفهم كل الحقائق. ويسمى هذا المفهوم بالعقلانية المقيدة، فهي العملية التي نشكل من خلالها الأحكام والقرارات دون التمتع بمعرفة كاملة. هنا تلعب الخدع العقلية لمستوى اللاوعي والتي نلجأ إليها للقيام بخيارات وإطلاق أحكام في ظل العقلانية المقيدة دورًا ضخمًا في كيفية استجابتنا للمخاطر. ففي
    نهاية المطاف، تعتمد الاستجابة للمخاطر على الاجتهاد والبصيرة، وهي ليست مجرد تحليل منطقي بارد وجامد وواقعي فحسب. العقلانية مقيدة ومحدودة بالفعل في حياتنا الواقعية، ويمكنها فقط مساعدتنا على المضي قدمًا من لحظة إلى أخرى.
    إذن، أول جزء يجب استيعابه بخصوص الاستجابة للمخاطر هو مجموعة الأدوات الخلابة للاوعي والتي نستخدمها لتشكيل أحكامنا وقراراتنا حيال أي شيء، بما في ذلك إبقاء أنفسنا بأمان عندما تجعل ظروف العقلانية المقيدة التفكير المنطقي السليم المعتمد
    على الحقائق أمرًا مستحيلًا.
    مخاطر فجوة الادراك
    نحن نخصص الكثير من الوقت والطاقة للمهمة الحاسمة المتعلقة بتحديد ومعرفة مكامن الخطر. وفي أثناء تركيزنا على الأمر الخطير الذي نعمل على علاجه، نتجاهل المخاطرة الثانوية التي قد تقع إذا كان أسلوبنا في الاستجابة للخطر صحيحًا لكنه مع ذلك لا يتسق مع الحقائق. يشتمل النظام الوجداني للاستجابة للمخاطر على مجموعة من الأدوات الرائعة التي نميناها وطورناها
    لنحمي أنفسنا. المشكلة أن هذه الأدوات طُورت عندما كانت المخاطر أكثر بساطة – ثعابين وأسودًا ومجاعة وظلامًا وأشخاصًا أشرارًا بحوزتهم هراوات ورماح. أما في مجتمعنا المعاصر ذي المخاطر الأكثر تعقيدًا، يمكن أن يؤدي النظام الوجداني للاستجابة للمخاطر إلى تصورات وسلوكيات قد تبدو في ظاهرها صحيحة لكنها تسفر عن زيادة الأمر سوءًا.
    نحن نحتاج الانتباه بشكل أكبر إلى المخاطر الخفية لفجوة الإدراك على المستويين الفردي والاجتماعي، والتي يمكن أن تهددنا بثلاث طرائق:
    يمكن لفجوة الإدراك أن تؤدي إلى القيام بسلوكيات شخصية خطيرة. بعد الهجمات الإرهابية التي حدثت للولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001 ، أصبح الكثيرون خائفين للغاية من السفر جوًا، فاستعاضوا عن هذا الأمر بقيادة سياراتهم لمسافات طويلة للوصول إلى وجهاتهم.
    ولأن القيادة تعطي شعورًا بالسيطرة على الأمور، فهي تبدو أكثر أمانًا من الطيران، لكنها في الواقع طريقة أكثر خطورة للسفر! في الأشهر الثلاثة التالية لهجمات سبتمبر، زاد معدل الوفيات على الطرق بشكل ملحوظ مقارنة بالمعدلات التي كانت تعد طبيعية إحصائيًا لهذه الفترة من العام. كان العديد من هذه الوفيات نتيجة لفجوة إدراك.
    تتسبب فجوة الإدراك في الشعور بالتوتر والضغط. ويسفر القلق المبالغ فيه عن قائمة طويلة من الأمور المؤذية التي يمكن أن تتعرض لها بسبب التوتر. الحقيقة أن أحد الأمور التي علينا الخوف منها هي الخوف في حد ذاته، فالخوف بشكل مبالغ فيه قد يعرض صحة الإنسان للخطر.
    يمكن لفجوة الإدراك أن تتسبب في وضع سياسات اجتماعية لا تهتم بحماية الجمهور والصحة البيئية. فنحن نطالب الحكومة في بعض الأحيان بإنفاق المال وتخصيص الموارد من أجل حمايتنا من أمور نجدها مخيفة، مع أنها قد لا تكون مصدر الخطر الأكبر. على سبيل المثال: تنفق ”الولايات المتحدة الأمريكية“ أموالًا على أبحاث أمراض السرطان أكثر مما تنفقه على أبحاث أمراض القلب، هذا أمر يسهل فهمه إذا وضعنا في اعتبارنا مدى المعاناة التي يتسبب السرطان فيها. مع ذلك تتسبب أمراض القلب كل عام في وفاة أشخاص أكثر بنسبة 20 ٪ إلى 25 ٪ مقارنة بضحايا مرضى السرطان. إن أمراض القلب هي سبب الوفاة الأول في ”الولايات المتحدة الأمريكية“، بل وفي أغلب الدول النامية أيضًا! أفلن يتم إنقاذ أرواح أكثر إذا كان مصدر التهديد الأكبر وليس مصدر الخوف الأكبر
    هو الذي يحصل على أغلب الموارد؟!

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)

يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع. Login here