Back
مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #10820
    admin
    مدير عام

    ما بين الأداء والرخاء
    تعددت الآراء حول الخلطة السرية والسحرية التي من شأنها أن تكفل تأسيس وتمتين مؤسسات ناجحة وراسخة أبد الدهر. تلك الخلطة وإن كثرت مكوناتها تعتمد بشكل رئيس على الموازنة ما بين مقومين أساسيين وهما الأداء والرخاء.
    الأداء هو القيمة التي تضيفها المؤسسة لمؤسسيها ومساهميها سواء على الصعيد المادي أو العملي. تلك القيمة يمكن تقييمها من خلال صافي أرباح التشغيل، والعائد على رأس المال المستخدم، وإجمالي العوائد للمساهمين، وصافي تكاليف التشغيل، ودورة الأسهم والأوراق المالية. الرخاء هو قدرة المؤسسات على التنظيم، والتنفيذ، والتجديد بشكل أسرع وأقوى من منافسيها كي تفرض أداءها الفريد والمتميز على السوق بمرور الوقت. يتضح مما سبق أن المؤسسات كي تكتسب مكانة مرموقة ومتميزة لا بد أن تتمتع بالرخاء؛ الأمر الذي يتطلب بالضرورة أن تخضع كل عوامل الأداء ومقومات الرخاء للإدارة الناجحة والمتوازنة. وقد أثبت البحث الذي أجرته مؤسسة ”ماكينزي“ لعام 2010 أن التحديثات والطفرات المؤسسية التي يقتصر تركيزها على الأداء فقط دون أدنى اعتبار لمقومات الرخاء تتضاعف فرص إخفاقها على المدى البعيد بمعدل 1.5 ٪ عمن سواها. ومن هنا تبرز أهمية المحاذاة بين الأداء والرخاء للقادة الأذكياء. ولحسن الحظ أنه لا يوجد وجه تعارض ما بين العنصرين، بل إن كلاً منهما يستمد قوته من الآخر.
    تخيل إحدى الفرق الرياضية التي توجه كل اهتمامها لمستوى الأداء الذي تقدمه فقط، فلا يشغل بالها سوى تحقيق الأهداف وكسب الألقاب. مثل هذا النوع من التفكير المحدود وضيق الأفق سيؤدي في النهاية إلى عواقب وخيمة وأخطاء عظيمة، حيث ستحول هذه الفكرة المسيطرة دون ضم مزيد من الأعضاء المميزين للفريق، وتطوير المقاعد، واكتساب دعم المساهمين الكافي،
    وتوفير الدعم المادي اللازم، وتوطيد العلاقات الجماهيرية، وغيرها الكثير من العناصر الجوهرية. من ناحية أخرى: إذا ما استغرق هذا الفريق وقته في توفير عناصر الرخاء فسينعكس الأمر بالتأكيد على مستوى الأداء. فضم أعضاء جدد من شأنه أن يبعث الحياة في الفريق ومن ثم ينعكس بالإيجاب على أداء اللاعبين حتى وإن كان على المدى البعيد. وبالمثل، يسهم الأداء المتميز في توفير الدعم المالي وضم مزيد من اللاعبين، أي أن كلاً منهما يصب في مصلحة الآخر وهكذا. فالفرق التي تحقق أعلى معدلات الأداء اليوم هي بالأحرى ثمرة ما سبق من دعم مالي، وضم لأعضاء جدد، وتدريب متميز، ومن ثم يخلق الاتحاد ما بين الأداء والرخاء دورة فاعلة من التميز بمرور الوقت لا سيما أن كليهما يتطلب التنفيذ الفوري حتى وإن تأخرت النتائج لسنوات.
    الإطارات الخمسة للأداء والرخاء
    إن كان تحقيق الإنجازات الباهرة يتوقف بشكل رئيسي على التركيز على كلٍّ من مقومات الأداء والرخاء، فكيف يتسنى للقادة أن يبدؤوا العمل على كلا الصعيدين في آن واحد؟ يكمن الحل في اتباع عملية ممنهجة ومصممَة لتطوير الأداء وكذلك الرخاء بشكل مدمج. تنشأ تلك العملية من خلال الإجابة عن خمسة أسئلة كي تستشعر نسمات التغيير وعبير التطوير. ونظرًا إلى احتواء هذه الأسئلة جميعها على حرف الميم فقد أطلقنا على المراحل الخمس لهذه العملية ”الميمات الخمسة“ وهي:
    ❂الأمل: ما الوجهة التي ننشدها؟
    ❂المقومات: هل نحن على استعداد لذلك؟
    ❂المخطط: ماذا يجب أن نفعل كي نحقق مرادنا ونصل إلى وجهتنا؟
    ❂المبادرة: كيف ندير الرحلة بنجاح؟
    ❂المثابرة: كيف نواظب على المضي قدمًا؟
    1-الأمل
    تتخذ كل عمليات وبرامج التغيير أولى خطواتها بتحديد الوجهة والهدف من التغيير.
    تحديد الأهداف المؤسسية
    تعتمد الآمال التي تضعها لمؤسستك بشكل أو بآخر على نقطة البداية وكذلك على طبيعة العمل؛ فمن الطبيعي أن تختلف الآمال التي تضعها البنوك، على سبيل المثال، عن تلك التي تضعها شركات التعدين، أو المستشفيات، أو القطاعات الحكومية. وعلى الرغم من الاختلافات فإنها تشترك جميعها في ثلاثة مبادئ رئيسية يمكن لأي مؤسسة أن تستخدمها في وضع أهدافها ورسم آمالها وهي: فكر على المدى المتوسط، ووازن ما بين الحقائق والحدس، وأخيرًا ضع أهدافًا صارمة وواقعية في نفس الوقت.
    التفكير على المدى المتوسط
    التفكير على المدى المتوسط من أهم وأقوى عوامل التغيير، ذلك أن إدراك الإنسان لغايته وتأمله لمكانته على مر الأعوام القليلة المقبلة أوقع وأفضل بكثير من الخطط بعيدة المدى. فالخطط متوسطة المدى تمنحك ما يكفي من الطاقة الفورية والواقعية لتحفيز المستثمرين، ووضع إطار محدد وصريح للتغيير، ومقاومة التحديات، وأخيرًا وليس آخرًا خلق بيئة تفاعلية وتنفيذية عبر المؤسسة بأكملها.
    الموازنة مابين الحقائق والحدس
    تحتل الحقائق الجامدة مكانة رفيعة وتلعب دورًا بارزًا في انتقاء ورسم الآمال والطموحات المؤسسية. وعادة ما تلجأ المؤسسات إلى تأسيس قاعدة ”حقائقية“ راسخة من خلال البحث عن إجابات لبعض الأسئلة مثل: ما الضغوط التنافسية التي تواجهنا وهل يقابلها بعض الفرص التي يمكننا اغتنامها؟ ما احتياجات العملاء؟ ماذا يتوقع المساهمون منا؟ كيف نرتقي بمستوى الأداء ليتجاوز التوقعات والمؤشرات؟ ما مدى التطور الذي سيلحق بالمؤسسة إذا ما طبقنا أفضل الممارسات المؤسسية الداخلية؟ وماذا لو أضفينا لمسة تقنية تخصصية على كل الأنظمة والعمليات؟
    كما يمكن للمؤسسات أن تطرح بعض السيناريوهات المحتملة لضمان اتخاذ الإجراءات والآليات اللازمة لتحقيق الأهداف المرجوة دون الوقوع في الأخطاء غير المتعمدة. إلا أن الاعتماد على الحقائق الجامدة وقواعد البيانات الثابتة قد لا يكون كافيًا في بعض الأحيان. القادة الملهمون بحدسهم يؤمنون، فإن قادك حدسك نحو شيء ما… اتبعه.
    ينبع الحدس من خلال المزج بين الخبرات والمعارف الشخصية ويحوي بين طياته القدرة على استشعار بعض الأشياء دون الاعتماد على المدخلات العقلية والحقائق المنطقية. وقد يكون له – بالطبع – بعض السلبيات التي – لتجنبها – لا مفر من الموازنة بينه وبين الحقائق دون أن يجور أحدهما على الآخر.
    وضع الأهداف الصارمة والواقعية
    حين تضع المؤسسات أهدافًا وترسم أحلامًا بعيدة المنال، تقع فريسة للوهم والاستسلام. إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن في إخفاق الكثير من المؤسسات سواء المتعثرة أو البارزة في اغتنام الفرص السانحة واستغلال المسافة الشاسعة المتاحة أمامهم قبل انتقال أحلامهم إلى خانة ”المستحيل!“
    وضع الآمال المحققة للرخاء
    ربما يكون لتقييم معدلات الرخاء أهمية خاصة، ولكن ماذا عن انتقاء الآمال المناسبة لتحقيق الرخاء المؤسسي؟ هنا تطفو ثلاثة أسئلة على السطح وهي: أولاً، أي الممارسات أكثر تلبية لآمالي الأدائية؟ ثانيًا، أين تكمن مواطن قوتي؟ ثالثًا، ما الممارسات التي تكمل بعضها بعضًا؟
    2- المقومات
    يعمد الكثير من القادة – بمجرد وضعهم لأهداف وخطط الأداء والرخاء – إلى المبادرة الفورية بالتنفيذ. إلا أن التجارب قد أثبتت أن مثل هذه العجلة لا تؤتي ثمارها في معظم الأحيان – إن لم تبؤْ بالفشل. فالمؤسسات الناجحة تستغرق مزيدًا من الوقت لدراسة المقومات المتاحة ومدى أهليتها لاتخاذ الخطوة التالية وإحلال التغيير. بمعنى أدق: تتخذ هذه المؤسسات الإجراءات اللازمة للتأكد من توفر الإمكانات وكذلك العقليات المؤهلة لتحقيق الآمال سواء على صعيد الأداء أو الرخاء. ومن المجدي أن تتحرى عن المقومات من منظور ”المهارات“ بينما تنقب عن العقليات من منطلق ”الإرادة.“

    المقومات الحتمية ومدى توفرها
    يعتمد تأسيس قاعدة من المقومات المؤسسية الحتمية على عمليتين رئيسيتين: أولاهما تحديد المقومات الأكثر أهمية فيما يتعلق بالآمال الأدائية، ثانيًا تقييم ودراسة هذه المقومات ووضعها الحالي ومدى توفرها داخل المؤسسة. لتحديد المقومات الحتمية اسأل نفسك عن المقومات التي تفتقر إليها مؤسستك واللازمة لتحقيق الآمال الأدائية. فإذا أرادت إحدى المؤسسات، على سبيل المثال، أن تعالج مشكلة انخفاض هامش الربح فسيكون تقليص التكاليف والمصروفات هو أول ما تعمد إليه دون تردد. ولكن هل لديها المقومات اللازمة لتنفيذ هذه الاستراتيجية؟ تعتمد الإجابة على المجالات والنطاقات التي ستخضع لهذه الاستراتيجية. فهل ستلجأ المؤسسة إلى خفض معدلات التصنيع، أم تطوير أنظمة التحصيل، أم إعادة تصميم هياكل الدعم، أم مراجعة النفقات العامة؟ وبمجرد أن تحدد مجالاً أو اثنين ستواجهك علامات استفهام أخرى: ما مدى الكفاءة اللازم تحقيقها في هذه المجالات حتى يكون التوفير ملحوظًا وملموسًا؟ وأي هذه المجالات أجدر بالمحاولة واستثمار الوقت والجهد؟ بمعنى أدق: أي
    هذه المجالات قد تنعكس مزاياه التنافسية على المستقبل؟ تمنحك الإجابة عن كل هذه الأسئلة رؤية عامة وشاملة لكل المقومات المؤسسية التي تنقصك.
    الآن وبعد أن قررت المقومات الأكثر أهمية لتحقيق آمالك المؤسسية، صار بإمكانك أن تستعلم عن وضع كل منها داخل المؤسسة. تتسم هذه الخطوة بأهمية بالغة نظرًا إلى أن هذا الاستعلام من شأنه أن يُطلعك إلى أي مدى توفر هذه المقومات التكاليف المادية أو تقدم خدمات ومنتجات استثنائية. كما يجب أن تتأكد من مدى ترسخ هذه المقومات في سياسة وجذور المؤسسة، فهل ستستمر وتدوم بدوام المؤسسة أم يتوقف بقاؤها على أشخاص ومجموعات بعينها؟
    أعراض الرخاء المهزوز
    إن أخذت أعراض وعلامات الرخاء المهزوز والمضطرب تطفو إلى السطح فكيف نتعرف إلى جذور المشكلة؟ فالأمراض المؤسسية – تمامًا كالأمراض الإنسانية – ليست بالأمر اليسير. ومع ذلك فقد علمتنا التجارب أنه حين يتعلق الأمر بالرخاء المؤسسي فأول ما يخضع للفحص والتدقيق هو العقليات المُحرِّكة. فالعقليات تحفز السلوكيات التي بدورها إما تحفز أو تجهض الممارسات الإدارية التي تتمخض في نهاية الأمر عن رخاء مهزوز أو منتعش!
    يقصد بالعقلية المحركة التوجهات والتوقعات العقلية التي تلعب دورًا بارزًا في تحديد كيفية تفسير الأشخاص وتجاوبهم تجاه المواقف المختلفة. ومن هذا المنطلق تشكل العلاقات التفاعلية المؤسسية ما بين العاملين، والقادة، والبيئة الخارجية معًا مجموعة من العقليات المحركة التيتحدد المنوال الذي تسير عليه كل الشؤون المؤسسية. ترسم تلك العقليات الإطار العام للسلوكيات المتوقعة من الجميع ولذلك فهي تشكل جوهر إدارة الوقت والطاقات.
    يتطلب إحلال الطفرات العقلية بعضًا من الوقت وهي عملية تدريجية، ولكن تكمن الصعوبة في اختيار العقليات الأجدر بالتغيير الأمر الذي يتطلب دراسة آمال وتطلعات المؤسسة على صعيد الأداء والرخاء، ومقومات الرخاء المتوفرة، وتوجهات واهتمامات الموظفين. ولا يشترط أن تحدث الطفرة من عقلية إلى أخرى؛ فالوضع لدى الكثير من المؤسسات لا يعتمد على فرضية ”إما هذا أو ذاك“
    وإنما ”كل من هذا وذاك“ لا سيما المؤسسات التي تنشد طفرات كاملة شاملة وليس مجرد تعديلات. فعوضًا عن إجهاض العقليات الحالية تعمد هذه المؤسسات إلى الارتقاء بها وتطوير أدائها كي تسمو بالمؤسسة إلى أبعد الحدود.

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)

يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع. Login here