Back
مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #10836
    admin
    مدير عام

    لم نعتاد على بعض الأشياء ولكن ليس دائما ؟
    التكيف أحد أهم العناصر التي تساعدنا على التفاعل مع المستجدات وتوجيه انتباهنا إلى المتغيرات، وهو بالتالي منبع للفرص الجديدة والمخاطر أحيانًا. يتيح لنا التكيف فرصة للاختيار بين ملايين المتغيرات التي تدور حولنا طوال الوقت فننتقى المهم منها
    ونتغاضى عن غيرها. فإذا ظلت رائحة الهواء ثابتة دون تغير لمدة خمس ساعات متواصلة، فلن تشعر بها. أما إذا بدأت رائحة الغاز تتسرب إلى أنفك، فستلحظها في الحال، وتهرع خارجًا من المنزل وتتصل بشركة الغاز. فجسم الإنسان – لحسن الحظ – عبقري في القدرة على التكيف في كافة الظروف والمستويات.
    التكيف ”الشعوري“ أهم أنواع التكيف. وهو يرتبط بردود أفعالنا تجاه التجارب السارة والمريرة معًا. تخيل هذه التجربة: أغلق عينيك لوهلة وتصور ما سيحدث إذا تعرضت لحادث مرير تسبب في عجز نصفك السفلي. سترى نفسك جالسًا في كرسي للمقعدين، وغير قادر على السير أو الجري مرة أخرى. ستتخيل المتاعب اليومية التي ستواجهك، وستشعر بالعجز وعدم القدرة على استئناف أنشطتك اليومية التي تسبب لك السعادة. سترى أبواب المستقبل قد أغلقت في وجهك ولن تفتح أبدًا. تخيُل مثل هذه التجربة سيشعرك أن فقدان قدميك سيحول حياتك إلى جحيم.. وإلى الأبد! ورغم قدرة الإنسان على تخيل المستقبل وتوقعه، إلا
    أنه يقف عاجزًا أمام كيفية وآلية التكيف معه. فمن الصعب أن تتوقع التكيف مع كافة متغيرات حياتك، أو التأقلم مع إصابة دائمة، آملاً أن كل شيء سيكون على ما يرام. والأصعب أن تتخيل اكتشاف متع جديدة وغير متوقعة في ظل هذه الظروف الطارئة.
    فقد ثبت أنه على الرغم من أن للإنسان قدرة مذهلة على التكيف السريع مع كافة المتغيرات أسرع مما يتوقع؛ فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يحدث التكيف؟ وما مقدار تأثيره على قناعتنا؟
    التكيف والألم 
    قرر ”حنان فرانك“ – البروفيسور الذي التحق بالجيش وتعرض لبتر في القدمين – أن يجري تجربة على ما يمكن أن يعلمه لنا الألم عن التكيف. اقتصرت التجربة على من تعرضوا لإصابات في الجيش. وعندما جاء المشاركون، استقبل كلاً منهم بإناء من المياه الساخنة ملحق بمولد حراري ومقياس حرارة. قام ”فرانك“ بتسخين المياه إلى درجة 48 مئوية، وطلب من كل متسابق أن يضع ذراعًا واحدة فيها.
    بدأ في تشغيل ساعة توقف وطلب من كل متسابق أن يخبره على الفور باللحظة التي تبدأ فيها الحرارة بالتحول إلى شعور بالألم لم يعد المتسابق قادرًا على تحمله. ثم أجرى نفس التجربة على الذراع الأخرى. بعد ذلك قسم المتسابقين إلى مجموعتين
    وفقًا لشدة الإصابة. وجد أن الجنود ذوي الإصابات البسيطة بدؤوا في الشعور بالألم بعد 4.5 ثانية، بينما شعر ذوو الإصابات البالغة بالألم بعد 10 ثوان. الغريب في الأمر أن المجموعة الأولى بدأت في سحب أيديها من المياه الساخنة بعد 27 ثانية، بينما استمرت المجموعة الأخرى 58 ثانية! توصل ”فرانك“ بعد هذه التجربة إلى أن هناك قدرة عامة على التكيف وهي جزء لا يتجزأ من القدرة على التكيف مع الألم. فعلى الرغم من مضي عدة سنوات على تعرض الجنود للإصابة، إلا أن قدرتهم على التكيف مع الألم وتحمله قد تغيرت وتفاوتت واستمر هذا التفاوت لسنوات طويلة.
    التعاطف والعاطفة
    أليس غريبًا أن يبادر الإنسان إلى مد يد العون لشخص واحد فقط يحتاج للمساعدة، لا إلى مجموعة ممن هم في أمس الحاجة إليها؟! يتسم هذا السلوك بالتعقيد وطالما احتار فيه الفلاسفة والعلماء. فهناك العديد من القوى والعوامل التي تؤدي إلى شيء من ”اللامبالاة“ تجاه المآسي والحوادث الكبرى. ولكن تعتصر قلوبنا ألمًا ونتعاطف مع طفلة صغيرة تعرضت لحادث مؤلم بشكل أقوى وأسرع مما نشعر به تجاه ضحايا الدمار الشامل والمجاعات؟! ولماذا نفزع من أماكننا ونكتب الشيكات ونقدم التبرعات لشخص واحد بحاجة للمساعدة، ولا نشعر بمثل هذا الحماس تجاه المآسي الأكثر وحشية والتي تشمل الآلاف من الضحايا؟! وقد لخص ”ستالين“ هذه المسألة بدقة حين قال: ”يعتبر قتل شخص واحد مأساة وحشية، ويعتبر مصرع الملايين مجرد رقم واحد في إحصائية!“ لكي نفهم أكثر هذه النزعة العجيبة تجاه الفرد الواحد، أجرى كل من ”ديبورا سمال“ و”جورج وينشتاين“ و”بول سلوفيك“ تجربة خاصة بهذه الظاهرة. مُنح كل مشارك 5 دولارات ومنشور يتضمن بعض المعلومات عن مشكلة تتعلق بنقص الغذاء، وطلب من كل منهم أن يتبرع بقدر من المال لمواجهة الأزمة. تضمن منشور المجموعة الأولى – وهي مجموعة القياس – خبرًا يقول: ”ثلاثة ملايين طفل في ملاوي يعانون من الجوع ونقص الغذاء. وفي زامبيا تسبب النقص الحاد في الأمطار والمياه في جفاف محصول الذرة عام 2000 . وبالتالي يعاني أكثر من ثلاثة ملايين شخص من المجاعات.“ أما المجموعة الثانية فقد قرأت هذا الخبر: ”رقية طفلة بائسة تبلغ من العمر سبع سنوات وتكاد تموت من الجوع في مالي.“ نظر المشاركون إلى صورة رقية بإشفاق وهم يقرؤون: ”ربما يساعد تبرعك في تغيير حياة هذه الطفلة البائسة. تبرعك سيوفر لها الطعام والتعليم والرعاية الطبية اللازمة.“ العجيب في الأمر أن نسبة التبرعات لمجاعات الجماعات في ملاوي وزامبيا لم تتجاوز 23 ٪ من أموال المتبرعين. أما التبرعات للطفلة ”رقية“ فقد زادت ! عن الضعف ووصلت إلى 48٪ هذا هو ما يطلق عليه علماء الاجتماع ”تأثير الضحية المعروفة“. فبمجرد أن تحصل على صورة (وجه) وبعض التفاصيل عن شخص ما، تتعاطف معه بشدة وتساعده بكل شيء، وحتى بالمال. أما إذا كانت المعلومات عامة وتشمل جماعات، فينخفض مستوى التعاطف، ولا نتفاعل بقوة مع الموقف.
    لماذا يجب أن نتفاعل مع المشاعر السلبية ؟
    تتسم المشاعر بصفة عامة بالتقلب والتغير السريع شئت أم أبيت. فقد تنزعج من التكدس المروري، وتسعد بهدية من صديق، لكن هذه المشاعر لن تدوم طويلاً. ردود الأفعال السريعة والمفاجئة تجاه تلك المشاعر غير محبذة؛ حتى لا تنجم عنها قرارات وسلوكيات خاطئة تندم عليها طوال حياتك. فعندما ترسل لمديرك رسالة بريد إلكتروني تعبر فيها عن غضبك تجاهه، أو تجرح شخصًا قريب إليك، أو تشتري ما لا يمكنك تحمل نفقاته، فستندم على ما فعلت بعد أن تخف وطأة الشعور بالغضب أو بالرغبة الملحة للشراء. لهذا السبب عليك أن ”تعد إلى عشرة“ و”تنتظر حتى تهدأ“ قبل أن تتخذ قراراتك.
    تتبخر المشاعر بصفة عامة – أيًا كانت قوتها – مع مرور الوقت ودون رجعة. افرض أن أحدهم قطع عليك الطريق في أثناء ذهابك إلى العمل. ستغضب قليلاً، وتأخذ نفسًا عميقًا، وتستأنف رحلتك. ثم ستستعيد تركيزك في الطريق وفي الأغنية التي
    تستمع إليها. في مثل هذه الحالات فقط، لا تتأثر قراراتك سلبًا بهذا الغضب قصير الأجل. وقد أراد ”إدواردو أندريد“ – الأستاذ في جامعة ”كاليفورنيا“ – أن يتأكد مما إذا كانت هذه المشاعر تؤثر على قراراتنا في المدى البعيد. وقد بنى نظريته على التجربة التالية: تخيل أنك تعرضت لأمر ما جعلك في غاية السعادة والكرم، كأن يكسب فريقك المفضل المباراة على سبيل المثال. وقد دُعيت في هذا المساء لتناول العشاء في منزل خالتك، فقررت أن تشتري لها باقة من الزهور تحت تأثير هذا الشعور السار. بعد مرور شهر – وبعد أن ذابت تلك المشاعر الجميلة – جاء موعد الزيارة الثانية لمنزل خالتك. ولسوف تفكر فيما يمكن أن تفعله لكي تبدو ابن أخت صالحًا، وستستعين بذاكرتك لتتذكر الهدية الرقيقة التي قدمتها لها في المرة السابقة وكيف كان تأثير ذلك عليها، فتقرر أن تكررها. وستظل تكرر سلوكك مرة بعد أخرى حتى يصبح عادة مستديمة وتلقائية. فعلى الرغم من انتهاء السبب الحقيقي وراء هذا التصرف – فرحة الانتصار في المباراة – فإنك تتأثر به كمحفز لما يجب أن تفعله لاحقًا. وهكذا يمتد
    تأثير المشاعر والانطباعات الأولى ليشمل كثيرًا من القرارات المستقبلية.
    لعبة الإنذار الأخير
    ليختبر فكرة تتابع المشاعر، بدأ ”إدواردو“ بالتحضير لثلاث خطوات رئيسة: أولها أن يتسبب في إغضاب أو إسعاد المتسابقين. تقودنا هذه المشاعر المؤقتة إلى الخطوة التالية من التجربة التي يتخذ فيها المتسابقون بعض القرارات تحت تأثير هذا الشعور الانفعالي.
    ثم ينتظر حتى تخمد مشاعرهم ليتخذوا مزيدًا من القرارات، ويتأكد ما إذا كان لمشاعرهم الأولية تأثير طويل الأجل على خياراتهم اللاحقة.
    تتكون لعبة الإنذار الأخير من متسابقين: مرسل ومستقبل. يجلس كل منهما على حدة دون أن يعرف هوية الآخر. تبدأ اللعبة حين يمنح المختبِر المرسل مبلغًا ماليًا وعليه أن يقرر كيف سيتقاسمه مع المستقبل. وبعد أن يقرر، تكون للمستقبل حرية التصرف في أن يقبل أو يرفض هذا العرض. في حال قبول العرض، يأخذ كل منهما النسبة التي حددها المرسل، وفي حالة الرفض لا يحصل أي
    منهما على شيء ويعود المال إلى المختبِر.
    تم تقسيم المتسابقين إلى مجموعتين؛ الأولى تبدأ التجربة بمشاهدة فيلم مثير لمشاعر الحنق والغضب. بينما بدأت المجموعة الثانية بمشاهدة مقطع من المسلسل الكوميدي ”فريندز“، وطُلب من المجموعتين أن يكتبوا عن تجربة مماثلة لتلك التي شاهدوها للتو. بدأت اللعبة بعد ذلك واتخذ كل من الفريقين قراراته. وُجد أن المجموعة الأولى التي سيطرت عليها مشاعر الغضب كانت أكثر ميلاً لرفض العروض غير العادلة. فالإنسان يميل بطبعة للثأر من كل من لا يتعامل معه بإنصاف. أثبتت هذه التجربة أن رد الفعل الانتقامي لم ينبع من العروض غير المنصفة فقط، بل كان لمشاعر الغضب التي تعرض لها الفريق الأول بعد مشاهدة الفيلم وكتابة تجارب مماثلة أكبر الأثر في رد الفعل ذاك. وقد ثبت من ثم أنه حتى المشاعر التي لا صلة لها بالموضوع قد تتدخل – ولو بشكل غير مباشر – في عملية صنع القرار.
    لماذا يجب أن تختبر كل شيء ؟
    الناس يصدقون النظرية القائلة بأننا موضوعيون وعقلانيون ومنطقيون. بل إننا نفاخر ونتباهى بقدرتنا على اتخاذ قرارات مبنية على حسابات عقلية ومنطقية. كما نفترض أن كل القرارات التي نتخذها بشأن استثمار المال أو شراء المنازل أو تربية الأطفال أو اختيار مدارسهم هي الأصوب والأصح على الإطلاق. قد يكون ذلك صحيحًا في بعض الأحيان، لكن هذا لا ينفي وجود التحيز المعرفي الذي يضللنا في كثير من الأحيان، لا سيما عند اتخاذ قرارات مهمة ومؤثرة.
    يتفق الجميع على أن التجارب والاختبارات تعد من أفضل الوسائل التي يمكن الاعتماد عليها للتمييز بين المفاهيم الصحيحة والخاطئة. فمن منا يرغب – بعد الآن – في عدم الاعتماد على التجارب المعملية واستبدالها بالمشاعر والحدس! ورغم ذلك، فإن هذه الأهمية غير معترف بها على نطاق واسع خاصة فيما يتعلق بالقرارات المهمة في الحياة العامة وفي السياسة أيضًا. ولذا فمن الغريب حقًا أن نفترض دائمًا أن كل رجال الأعمال والسياسة هم دائمًا على حق؛ مع أن هؤلاء بشر مثلنا، تحركهم نفس الدوافع والتحيزات التي تحركنا، ويرتكبون نفس الأخطاء وربما أخطاء أشنع من أخطائنا. أوليس مطلوبًا ومفيدًا أيضًا أن نعمل على تأسيس منهجيات ونجري مزيدًا من التجارب في بيئة العمل والسياسة أيضًا؟! ما نقصده بالوجوه الأخرى للعقلانية هو أن اللاعقلانية التي نتبعها في كثير من السلوكيات والتصرفات – عمدًا أو دون عمد – هي ما تجعلنا بشرًا رائعين؛ مثل قدرتنا على الإحساس بقيمة العمل، والولع الذي يربطنا ويحببنا بإبداعاتنا وأفكارنا، أو رغبتنا المتناهية في الثقة بالآخرين، أو التكيف مع الظروف والمتغيرات، أو التعاطف مع الآخرين ممن نعرفهم أو لا نعرفهم.

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)

يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع. Login here