Back
مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #10254
    admin
    مدير عام

    تسويق الحنين !
    بدلاً من اعتباره إهدارًا للوقت أو انغماسًا غير صحي في الماضي، فإن استرجاع الذكريات يحسِّن من الحالة المزاجية، ويضاعف الثقة بالنفس، ويقوي الروابط بين الناس. باختصار: الحنين إلى الماضي مصدر للسعادة والرخاء النفسي. عندما طلب الباحثون
    من بعض المتطوعين تقييم كفاءتهم الاجتماعية في ثلاث نواحٍ (قدرتهم على بناء العلاقات، وقدرتهم على المكاشفة ومصارحة الآخرين بمشاعرهم، وقدرتهم على تقديم الدعم النفسي لأصدقائهم)، اكتشفوا أن المشاركين الذين يفكرون تفكيرًا ”حنينيًا“
    كانت كفاءتهم في جميع المهارات الاجتماعية أعلى من غيرهم، فاستخلصوا أن التفكير ”الحنيني“ يولد شعورًا بالسعادة.
    سبب آخر وراء ولعنا بفكرة الحنين إلى الماضي هو أن عقولنا مفطورة على استرجاع تجاربنا الماضية واعتبارها أفضل وأجمل وأمتع من وقتنا الحالي، وهي ظاهرة نفسية شاعت تحت اسم ”الزمن الجميل“.
    الفكرة هي أننا نميل إلى العيش في الماضي (وإلى حد ما، في المستقبل)، وعقولنا تحب هذا. لذلك لا يؤمن كثيرون بأن لكل منا شخصيتين: شخصيته الداخلية، وشخصيته الخارجية (المتقدمة في السن) التي يراها الآخرون. من منا لم يشعر بالاستياء وهو يطفئ شموع عيد ميلاده، سواء بلغ العشرين أو الأربعين أو الستين؟! من الطبيعي أن يكره الجميع فكرة التقدم في السن، إلا أن هذه الظاهرة مردها سبب آخر بخلاف الخوف من الشيخوخة، لأنها مرتبطة بنظرتنا إلى ”الزمن الجميل“ وتعلقنا بالماضي وبشكل حياتنا عندما كنا في هذه ”السن الصغيرة“ التي نشعر بها داخليًا.
    ستقول لنفسك الآن: حسنًا، هذا حقيقي، لكن ما علاقته بمحاولة الشركات خداعنا والتحايل علينا حتى نشتري منتجاتها؟! له علاقة وثيقة. فالشركات والمسوقون يعرفون تمام المعرفة أن ”العمر الذي نحتسبه“ عامل مؤثر للغاية في قراراتنا وعاداتنا الشرائية.
    استحضار شعور الحنين
    إحدى أكثر الطرق شيوعًا وفعالية التي تتبعها الشركات لخلق الشعور بالحنين إلى الماضي هو إعادة بث فقرات إعلانية أو شعارات تسويقية أو حملات دعائية سبق بثها في الماضي. من أكثر الشركات التي أفلحت في هذا شركة ”هاينز“ في عام 2009 عندما أعادت استخدام شعارها التسويقي القديم الذي سبق واستخدمته في سبعينيات القرن العشرين. يعرض الإعلان الجديد (أو بالأصح، القديم) أمهات يطعمن أبناءهن أطباقًا مليئة بفول ”هاينز“ مع أصوات في الخلفية لجمل مثل: ”عندما ينتابني الحزن تعلم أمي السبيل إلى إسعادي، فهي تعلم أن الطعام يعني »هاينز «. أصبح هذا الإعلان خالدًا في عقول المستهلكين لدرجة أنه اختير ليكون أكثر الإعلانات شعبية بعد قرابة ثلاثين عامًا من بثه لأول مرة.
    عندما تمعن التفكير في الأمر تكتشف أن هذه الاستراتيجية عبقرية. فعن طريق إعادة بث إعلانات شاهدناها في سنوات صبانا، لم تعد الشركات تعزف فقط على وتر حنيننا إلى هذه الأيام الخوالي، وإنما تعقد أيضًا رابطًا في عقولنا بين الماضي الجميل بكل ذكرياته الوردية وبين المنتجات التي ظهرت خلاله.
    لا يهم إن كنا أكلنا فول ”هاينز“ طيلة حياتنا الماضية، لأن الفكرة أن هذه الإعلانات القديمة تستحضر ذكريات كل الأحداث والأشياء الجميلة التي نتذكرها من هذه الفترة الزمنية (وفي نفس الوقت لا تتكبد الشركة مليمًا واحدًا).
    وهم اسمه الصحة
    لا يجب أن تندهش إذا علمت أن بيع المنتجات الصحية (أو ”وهم الصحة“) مربح للغاية، لدرجة أنه كان سببًا في ظهور صناعة ضخمة تنتج منتجات يتم تسويقها تحت مسمى ”الأغذية الوظيفية“، محققًا 37.3 مليار دولار في عام 2009 في ”الولايات المتحدة“ وحدها.
    ومن الطبيعي أن تمتلك الشركات في ترسانتها الكثير من الحيل التسويقية لاقتناص حصة من هذه السوق المربحة (والزائفة).
    نُخدَع باسم ”الصحة“ لأن الكثيرين منا لا يفهمون معنى الكلمات المعقدة التي يستخدمها المسوقون، والذين بدورهم لا يألون جهدًا في إبقاء الوضع على هذه الصورة. كشف استطلاع للرأي أن المستهلكين عند اختيارهم ما بين شراء منتج مصنف على أنه ”طبيعي“ أم ”عضوي“، فإنهم يختارون الطبيعي لاعتقادهم أن المنتج العضوي كلمة تسويقية غير واضحة تعني أن المنتج باهظ الثمن. لكن الحقيقة أن العكس هو الصحيح؛ أي أن ”طبيعي“ هي الكلمة غير الواضحة، وأن الكلمات الرنانة الشائعة الأخرى – مثل: ”مزروع عضويًا“ و”خالي من المبيدات الحشرية“ و”طبيعي مائة بالمائة“ و”دون مواد حافظة أو ألوان صناعية“ – لا تعني الكثير. مع كل هذا الضباب والدخان اللغوي، هل يمكن أن نستغرب أننا لا نعلم أي شيء عن الطعام الذي نأكله؟! أكثر حيلة يفضلها المسوقون هي إدعاؤهم بأن طعامًا أو شرابًا ما يمكن أن يمدنا بالطاقة! الذي لا تعلمه أن ”الطاقة“ ليست إلا مرادف لكلمة ”سعرات حرارية“، وهي حيلة ذكية من المسوقين ليضيفوا صبغة إيجابية على كلمة سلبية كانت ستهدد نجاح منتجهم ”الصحي“! هل يمكن أن تتخيل شركة تروِّج لحقيقة أن منتجاتها مرتفعة السعرات الحرارية؟!
    بياناتك تفك شفرتك !
    ”جمع المعلومات“ هو نشاط تجاري ضخم وعالمي وسريع النمو يهدف إلى رصد سلوكيات العميل وتحليلها، ثم تصنيفها، وتلخيصها، وصياغتها فيصورة يسهل استخدامها في إقناعه، وأحيانًا في التحايل عليه لشراء المنتجات، وهو الأسلوب الذي
    تعرف به الشركات عاداتك الشرائية، وانتمائك العرقي، ونوعك الاجتماعي، وعنوانك، ورقم هاتفك، ومستوى تعليمك، ودخلك التقريبي، وعدد أفراد أسرتك، واسم حيوانك الأليف، وفيلمك المفضل، والقائمة تطول!
    يميل المستهلكون الذين يجربون منتجًا جديدًا إلى التمسك به لمدة تبلغ نحو عام ونصف. فإذا استطاع متجر ما أن يكتشف المنتج الجديد الذي ”قد“ يعجبك، ثم يعرض عينة مجانية منه أو كوبونات أو أي عرض ترويجي آخر ليقنعك بتجربته، فقد استطاع أن يصطاد
    محفظتك طوال مدة الثمانية عشر شهرًا القادمة. بفضل الشركات المتخصصة في جمع هذا النوع من البيانات والمعلومات، فإنك في كل مرة تستخدم فيها محرك البحث ”جوجل“، أو تكتب على الحائط الفيسبوكي لأحد أصدقائك، أو تشتري عبر بطاقة ائتمانك، أو تقوم بتنزيل أغنية من على موقع ”آي تيونز“، أو تستعين بإحدى الخرائط على هاتفك المحمول، أو تتسوق في أحد المتاجر المحلية، يتابعك ويتربص بتحركاتك ”جامع للبيانات والمعلومات“، فيسجل كل معلومة مهما بدت صغيرة أو بلا قيمة، ثم يحللها ويلخصها، ويبيعها في نهاية المطاف إلى التجار وشركات التسويق.
    الدعاية الشفوية
    أكثر ما يقنع المرء ويؤثر على قراراته الشرائية هو أن يعرف أن شخصًا ما يحترمه ويحبه يستخدم منتجًا معينًا. فعلى عكس وسائل الدعاية التقليدية عبر التلفاز أو المجلات، يحدث شيء عجيب للغاية في عقولنا عندما ينصحنا أحد بشراء سيارة أو كتاب أو أسطوانة موسيقية أو مستحضر تجميلي أو مشروب، حيث تنطفئ المناطق العقلانية والتنفيذية في المخ وتنشط بدلاً منها منطقة فص الجزيرة ( Insula ) المسؤولة عن المشاعر الاجتماعية، مثل: التلهف والتقزز والتباهي والخزي والإحساس بالذنب والتعاطف والحب. علاوة على ذلك، أظهرت الأبحاث أن ترشيحات أصدقائنا تحفز المناطق الحسية في عقولنا، فتخلق شعورًا مسيطرًا لا يختلف عن قوة سيطرة رغبات الجسم البيولوجية، بعبارة أخرى: كأن المخ يسجل الدعاية الشفوية على مسارات متعددة، وكلما زاد عدد المسارات المخية التي يؤثر عليها منتج ما، زاد ارتباطنا وتعلقنا به، واقتناعنا بترشيحات أصدقائنا.
    يوضح ما سبق سبب استمرار تأثير الدعاية الشفوية على ذاكرتنا لأسابيع، في حين نعجز عن تذكر الإعلانات التليفزيونية التي شاهدناها صباح اليوم، كما يوضح سبب ميلنا الفطري إلى مواصلة نشر هذه الدعاية إلى الآخرين. فقد أظهرت دراسات حديثة
    أنه حينما يخبرنا أحد شيئًا يثير الارتياح (كأن يقول: ”سيجعلك هذا المستحضر التجميلي تبدو أصغر بخمس سنوات“) ثم نواصل نشره إلى الآخرين، تكافئنا عقولنا بإفراز مادة الدوبامين المسؤولة عن الإحساس بالسعادة والمرتبطة بكل مشاعرنا، بدايةً من الإدمان وحتى السعي وراء الإثارة. باختصار: عندما نسمع عن ماركة ما من أناس نحبهم ونحترمهم، ثم نذيع وننشر هذا السر إلى آخرين، لا تتعلق عقولنا بها فقط، وإنما تحصل أيضًا على مكافأة عقلية.
    القرار مازال بأيدينا !
    صحيح أن هناك حيلاً مورست ضدنا كي ندمن آلاف الماركات ونتعلق ونفتتن بها، وصحيح أننا تحولنا إلى أبواق تروج لهذه الماركات، وصحيح أننا صرنا أوفياء لها ونثق بها ثقة عمياء، وصحيح أننا عُزّل أمام أدوات تعقب ورصد سلوكيات المستهلك المتنوعة، لدرجة أننا
    كمستهلكين يمكن أن يتسرب إلينا الإحساس بأن هذه الماركات والمنتجات تستعبدنا وتمتلكنا، إلا أن العكس هو الصحيح. ففي عالمنا المعاصر بفضاءاته المتشابكة عبر ”فيسبوك“ و”تويتر“ و”يوتيوب“ و”ويكيليكس“، والذي يمكن أن تنكشف فيه أصغر حيلة أو سر في لمح البصر، صار القرار بأيدي المستهلك أكثر من ذي قبل. وهذا يحتم على الشركات التزام الشفافية والوفاء بالوعود، وإلا لفظها السوق!

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)

يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع. Login here