- This topic has 0 ردود, مشارك واحد, and was last updated قبل 8 سنوات، شهر by
admin.
-
الكاتبالمشاركات
-
9 أبريل، 2017 الساعة 12:59 م #10841
admin
مدير عاميمثل تصحيح الخطأ جانباً مهماً من الأدوار التي يقوم بها المربي؛ إذ كثيراً ما يجد نفسه أمام أخطاء من يربيهم، وقد تكون أخطاءً فردية أو عامة، وقد تكون نتاج البيئة المنـزلية أو المجتمع الأوسع، وقد تكون طارئة أو مزمنة.
وأياً كان الأمر فهي تحتاج إلى مراجعة منهجنا وأساليبنا في التعامل معها، وفي هذا المبحث سنتناول بعض الأخطاء التي قد نقع فيها في علاجنا لأخطاء من نربيهم.
1 – اعتبار تصحيح الأخطاء وحده هو منهج التربية:
يمثل تصحيح الأخطاء عند بعض المربين المنطلق الوحيد للتربية، وعليه فالتربية عندهم تبدأ من تحديد قائمة بالأخطاء والملحوظات، ومن ثم ترتيب البرامج لتصحيحها وتلافيها، فتمثل الأخطاء المنطلق الوحيد في رسم البرامج، والمعيار الوحيد في تحديد نوعية ما يقدم للناس، وتبدو آثار هذا الأسلوب من التفكير في اختيار الموضوعات التي يتحدث فيها لفئة معينة من الناس، فحين يستضاف أحد المتحدثين يُقترح عليه موضوعات تدور حول الأخطاء والملحوظات الشائعة لدى المخاطبين، أو يَسْأل هو عنها لتكون محور حديثه.
وهذا الأسلوب يتولد منه آثار غير محمودة؛ فحين نسلك هذا المسلك فغاية ما نحققه إذا نجحنا -ولن نحقق النجاح الكامل- أن نحافظ على الإنسان عند مستوى محدد.
وثاني هذه الآثار أن تسيطر لغة النقد على حديثنا فتترك هذه اللغة أثرها على أولئك الذين لم يعد يطرق سمعهم غيرها، فيعيشون حالة من الإحباط والشعور بالفشل والنقص على الدوام.
وفرق بين عطاء هؤلاء، وأولئك الذين غرست لديهم الثقة بإمكاناتهم وقدراتهم، ورفعت لهم المنارات ليتطلعوا إليها ويسيروا نحوها.
وثالثة الأثافي أن يحصر العطاء في زوايا محددة وهي تلك التي تبدو فيها أخطاء واضحة صارخة، أما البناء وتفعيل الطاقات وتنمية المواهب فلن يجد له مكاناً عند هؤلاء الذين يسيطر عليهم هذا المنطق في التفكير.
2 – تجاهل الخطأ حتى يستفحل:
إن المشكلات الكبار لا تولد دفعة واحدة، والنار تنشأ من مستصغر الشرر، لذا فكثير من الصفات السيئة في البشر تبدو بذرة صغيرة يسقيها الإهمال والتسويف، ويُمدها التجاهل بماء الحياة حتى تنمو وتترعرع لتتجذر في النفس فيصعب اقتلاعها وزوالها.
وأعظم شاهد على ذلك ما نراه من أن كثيراً ممن يضِلّون بعد الهدى، وينتكسون بعد الاستقامة، كان سبب ذلك أخطاء وأحوال من الضعف تدرجت بهم وتركوها حتى تستفحل.
وكثيرة هي المشكلات والأخطاء التي نقع فيها نحن، أو يقع فيها من نتولى تربيته، ونهملها ولا نعبء بها فلا تلبث أن تستفحل وتأسرنا لتصبح جزءاً من سلوكنا.
وسواء كان الدافع لإهمال العلاج وتأخيره التسويف والعجز والكسل، أو افتراض أن الزمن كفيل بحله وتجاوزه، أو المبالغة في مراعاة نفسية المخطئ والخوف على جرح مشاعره، سواء كان هذا أو ذاك فالنتيجة لا تعدو واحدة من ثلاث:
أ – أن يذوب السلوك السيء في نفس صاحبه ويصبح جزءاً من شخصيته، فيسعى لتبريره والدفاع عنه، واتهام من يلومه بالغلو والتشدد، وما أكثر ما نرى هذه الصورة.
ب- أن يستفحل في النفس فيرى صاحبه أنه قد صار صفة ملازمة له، وأنه لا يستطيع الخلاص منه أو الفكاك، وقد يدعوه ذلك إلى الإفراط في ركوب الانحراف والشطط.
ج – أن يستفيق بعد فترة، فيلوم أولئك الذين تجاهلوا هذا الخطأ، والأغلب أن يبالغ في ذلك، وقد يقوده هذا إلى التخلي عن بعض الميادين الخيرة.
3 – ردة الفعل وعلاج الخطأ بخطأ آخر:
يترك الخطأ أثره الواضح عند من يرقبه، وقد تكون مشاعره جياشة فيولد وقوع الخطأ لديه أثراً قد يغفل فيه عن الأسلوب الأمثل في التعامل معه، وهو موقف طبعي في النفس الإنسانية، ولعل من أمثلة ذلك ما وقع لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في حالات عدة.
ومنها قصة الأعرابي الذي بال في المسجد وهي مشهورة في السنة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:”دعوه وهريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء؛ فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين” (رواه البخاري (220) ورواه مسلم (284) من حديث أنس -رضي الله عنه-).
ومثله حديث أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: إن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، قالوا: مه مه فقال:”ادنه” فدنا منه قريباً، قال: فجلس، قال:”أتحبه لأمك ؟”… – إلى أن قال:فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء (رواه أحمد (21708) 5/257).
ففي هذه النصوص نظر الصحابة -رضوان الله عليهم- إلى عظم الخطأ فتعاملوا معه بما يرون أنه يليق به، أما النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى أمر أبعد من ذلك، ألا وهو أثر ذلك على صاحب الخطأ نفسه(كثير من المتحدثين يحتجون بهذه الأحاديث وغيرها، ويشددون على الذين يقعون في هذا الخطأ، ويغفلون عن أن).
وحين نطالب المربي بأن يكون متزناً في تعامله مع الأخطاء فهذا لا يعني أن نطالبه بالعصمة وبإلغاء مشاعره، لكن بالاجتهاد قدر الإمكان.
هذه حالة، وثمة حالة أخرى قد لا يكون المربي أمام خطأ معين مباشر يريد علاجه، بل أمام قصور أو ثغرة لا تتمثل في موقف محدد فهنا يكون عذره أقل من الصورة السابقة إن هو لم يتحكم بردة فعله.
إن ردة الفعل قد ينشأ منها تضخيم الخطأ وربما إشعار صاحبه باليأس، أو قد ينشأ عنها غلو وشطط على النفس، أو قد ينشأ عنها خطأ آخر في الطرف المقابل.
فقد يكتشف الإنسان خطأً في نفسه وحينئذٍ يدعوه الحماس إلى تصحيحه فيتعامل مع نفسه بردة فعل غير متزنة؛ فعلى سبيل المثال: حين يكتشف المرء أنه مقصر في طلب العلم الشرعي، ويرى أن أقرانه قد فاقوه وسبقوه سبقاً بعيداً، فيسعى إلى تصحيح هذا الخطأ ويرسم لنفسه برنامجاً طموحاً لا يطيق أن يصبر على بعضه فضلاً عن أن يطيقه كله، وحين يبدأ التنفيذ ويخوض الميدان يصطدم بالواقع ويرى أن ثمة مسافة هائلة بين المثال والواقع؛ ثمة مسافة بين تلك الصورة التي رسمها لنفسه وكان يتطلع إليها وبين ما يمكن أن يصل إليه من قدر من التصحيح، وحين يصل إلى هذا الحال فإنه في الأغلب لا يعود إلى التوازن مرة أخرى، وقد يدعوه ذلك إلى إهمال واجبات وحقوق أخرى، وما أكثر ما نقع في هذا.
بل الأمر يتعدى ذلك حين تكون ردة الفعل مسؤولة عن رسم المناهج أصلاً؛ فكم نرى من مناهج للتغيير يراهن أصحابها عليها ويرون أنه لا منهج لتغيير الأمة إلا هذا، وأي امرئ يسلك غير هذا الطريق بل أي امرئ لا يتطرف هذا التطرف الذي يتطرف فيه أصحابه فهو لا يملك التأهل لإنقاذ الأمة والتغيير.
وحين تتأمل في هذا المنهج كله تراه لا يعدو أن يكون ردة فعل تجاه خطأ آخر، بل لو تأملت الواقع ووضعت أمامك قائمة من مناهج التغيير المطروحة في الساحة لرأيت أن عدداً منها لا يعدو أن يكون ردة فعل لعلاج خطأ في مناهج أخرى.
4 – الإفراط في العقوبة:
النفس البشرية تعتريها حالات من الضعف والقصور، ويقعد بها الهوى وتستجيب أحياناً لداعي الشهوة على حساب أحكام الشرع ومنطق العقل، ومن ثم احتاجت إلى أن يؤخذ بزمامها، وأن تسلك معها وسائل متنوعة؛ إذ الإقناع وحده لا يكفي في حمل النفوس على الامتثال.
ومن ثم جاء الشرع بمبدأ العقوبة لتكون رادعاً عن وقوع النفوس في المحظورات وتقصيرها في المأمورات، وتنوعت العقوبات بين العقوبات الدنيوية التي يراها الناس حاضرة والأخروية التي تُدخر لهم في البرزخ والقيامة -عافانا الله وحمانا- وبين العقوبات الكونية التي تصيب الناس في أموالهم وأولادهم وأمنهم، والعقوبات الشرعية التي أُمر الناس أن يوقعوها على من أصاب ما يستوجب ذلك كالحدود والتعزيرات.
وكما أن إهمال العقوبات وتعطيلها مخالف لأمر الله، فالإفراط فيها ووضعها في غير موضعها هو الآخر مخالف لأمر الله تعالى، ومؤدٍ لتعطل مقاصد العقوبة وفواتها.
لذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يُتجاوز في العقوبة – فيما لا معصية فيه- عشرة أسواط، فقال:”لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله” (رواه البخاري (6848) ومسلم (1708)، والمقصود بحدود الله على الصحيح المخالفات الشرعية، كما قال تعالى { تلك حدود الله فلا تعتدوها} وكما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر :”مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها…” (رواه البخاري (2493).
وحين يفرط المربي في العقوبة ينقلب الأمر إلى تأثير مضاد، فيدفع المتربي شعوره بأنه مظلوم إلى الإصرار على الخطأ وتبريره، وينشغل بالعقوبة التي وجهت له عن الاعتناء بإصلاح الخطأ، وكثيراً ما يصر عليه ويتشبث به، ويكره الحق وأهله.
كما ينشأ عن ذلك أيضاً أن تنمو لديه مشاعر الكراهية والبغض لمن عاقبه، وكثيراً ما نرى بعض الأبناء يكرهون آباءهم أو معلميهم بل ربما يتمنون هلاكهم، والسبب في ذلك ما يلقونه منهم من إفراط في العقوبة.
ولا شك أن ترسخ هذه النظرة لديه تجاه معلمه أو والده تقف عائقاً كبيراً أمام تقبله للتوجيه والتربية.
5 – المثالية:
حين يعيش المرء في ميدان التنظير يحلق في أجواء الخيال، ويرسم صوراً مثالية يصعب أو يستحيل تحققها.
وهو أسلوب قد يمارسه المرء مع نفسه، فيرسم لها أهدافاً وبرامج وخططاً طموحة، ومن ثم يصطدم بجدار الواقع فيرى أنه عاجز عن تحقيق جزء يسير مما رسمه لنفسه.
وقد يمارسه المرء مع من يربيه، فالأم كثيراً ما تعاتب طفلها وربما تعاقبه على أخطاء لا بد أن يقع فيها مادام طفلاً؛ فحين يعبث ببعض أثاث المنـزل، أو يعمد إلى آنية فيكسرها، أو يسيء إلى أحد إخوانه الصغار تعاتبه وتعاقبه، وربما كانت العقوبة شديدة، إنها تطلب منه أن يكون منضبطاً مثالياً فلا يسيء إلى إخوانه الصغار ولا يعبث بالتراب ولا يعبث بالأثاث ولا يرفع صوتاً ولا يبكي.
والأستاذ قد يرسم صورة مثالية للطالب؛ فيرى أنه ذاك الطالب الذي يلتزم بالأدب التام فلا يسيء الأدب مع أستاذه في استئذانه وحديثه وتعامله، ولا يسيء الأدب مع زملائه، ولا يمكن أن يتأخر عن أداء الواجب يوماً من الأيام، ولا بد أن يفهم ما يلقى عليه فهماً سليماً، ولا يسوغ له أن ينشغل عن الدرس، ولا أن يلهو، ولا أن يتأخر عن الحضور إلى الفصل، ولا أن يتغيب…إلخ هذه القائمة التي ربما عجز الأستاذ نفسه حين كان طالباً عن استجماعها وتحقيقها.
إننا حين نرسم للناس صورة مثالية سوف نحاسبهم على ضوئها، فنرى أن النقص عنها يعد قصوراً في تربيتهم، فتأخذ مساحة الأخطاء أكثر من مداها الطبيعي الواقعي.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أصحابه أنهم لن يصلوا إلى منـزلة لا يواقعون فيها ذنباً، فقال:”والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم” (رواه مسلم (2749).
وحين حضرت أبا أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- الوفاة قال: كنت كتمت عنكم شيئاً سمعته من رسول الله؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:”لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقاً يذنبون يغفر لهم” (رواه مسلم (2748) والترمذي (3539).
وقد قال أيضاً صلى الله عليه وسلم :”كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون” (رواه الترمذي (2499) وابن ماجه (4251) وأحمد (12637)3/199.).
إن الواقعية في التفكير، وإدراك الطبيعة البشرية، والهدوء في الدراسة والمراجعة، والخبرة المتراكمة؛ كل ذلك يسهم إلى حد كبير في الاقتراب من الواقعية والبعد عن المثالية المجنحة في الخيال.
إن مثل هذه الأساليب غير المباشرة تترك أثرها في النفس، فهي توصل الرسالة التي يريدها المربي، وتنقذ المواجه بالخطأ من الحرج والخجل، وتشعره بحسن الخلق والتقدير والتوقير، إنه أسلوب الكرام العظام -
الكاتبالمشاركات
يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع. Login here