كيفية تعزيز الثقة بالنفس – د.مها فؤاد
تعد الثقة بالنفس من أهم سماتِ الشخصية المتكاملة القادرة على صناعة النجاح والتغيير، وهي صفة حميدة تبث في الإنسان حب ذاته، وحب الآخرين، وتعزز القدرة على التخلص من الأفكار السلبية، وتنمي الإيجابية في النفس، مع السعي نحو تحقيق الأهداف وإنجازها، وقد يخلط البعض بين مفاهيم الثقة بالنفس، والغرور أو الغطرسة، غير أن المفاهيم متباعدة ومتباينة، فالثقة بالنّفس مبنية على الاطمئنان المتوازن والمدروس بمستوى القدرات الذاتية التي يتمتع بها الفرد، وإمكانية صناعة النجاح، وتحقيق الأهداف من خلال الإمكانات المتاحة، فالثقة بالنفس تعكس قوة الإرادة لبلوغ الهدف، والثقة بدافعيتها، وأسباب قدرتها، ومقدار الطاقة والعزيمة التي تولّد الشعور بالإصرار على تحصيل الأهداف، ونيل المطالب دون تردد أو عجز.
يتردد على مسامعنا دائماً، قول: “الثقة بالنفس أساس التقدم والنجاح”، فينجح الإنسان في حياته عندما تكون لديه ثقة عالية بنفسه، ويتقدم أيضاً، ويتطور، لتكون حياته سعيدة وناجحة، إلا أن الثقة بالنفس، وعلى الرغم من أنها تنبع من شخصية الإنسان ونفسيته، فإنها تحتاج إلى تدريب وتطوير، حتى يصبح الإنسان واثقاً تماماً بنفسه، عديم التشتت أو التقلب.
يطلب العديد من الآخرين أن يثقوا بهم للقيام بشتى الأمور، ولكن لا يمكن لك أن تطلب من الآخرين أن يثقوا بك من دون أن تكون واثقاً بنفسك أولاً، إذ إن العديد من الأشخاص في هذه الأيام يعانون من قلة ثقتهم بأنفسهم لأسبابٍ عدة، سواءً كان السبب هو تجربةً سابقةً أو لأسباب اجتماعية أو لأسباب أخرى كتطلع الناس إلى المشاهير، فإن مفتاح قيام الإنسان بالمعجزات كجميع المشاهير من العلماء والمفكرين الذين نراهم من حولنا في العالم هو أن يثقوا بأنفسهم، والأمر الجيد هو أن ثقة النفس هي أمر مولودٌ معنا فلو لم نتمتع بثقة النفس في صغرنا لما استطعنا الوقوف والمشي على الإطلاق ولكننا ننسى هذا الأمر مع تقدم السن .
تبدأ الثقة بالنفس من خلال صورة يتخذها الإنسان لنفسه؛ حيث إن صناعة الثقة الذاتية، تبدأ أولاً من الذات، فالصورة التي يكوّنها الإنسان عن نفسه أولى الخطوات، بحيث تكون صورة واثقة، واعية لما يملكه، صورة مشرقة لمستقبل أفضل، وإدراك الإنسان بأنه يستحق الأفضل دوماً، وبمثل هكذا تصور فإنه يسمو بنفسه، ويصبح قادراً على التغيير للأفضل، إلا أنه لا يجب له التغاضي عن العيوب أيضاً أو تجاهلها أو المبالغة في إظهار محاسن شخصيته.
دائماً الصورة الجميلة التي يتخذها الإنسان لنفسه بأنه يستحق دوماً الأفضل هي من أفضل الصور التي تمنح الإيجابية والثقة بالنفس، فتقدير الذات يمنح إيجابية في النفس، ومن يقدم لذاته مراسم الحب، لا يستطيع أن يضعها في موقعها السيء أبداً، على العكس عليه أن يكرمها ويعززها ويجعلها صورة جميلة براقة أمام نفسه وأمام الناس أيضاً، والأهم دائماً هو عدم استرجاع أي صور ضعف كانت مسيطرة على الذات أو حتى سلبية، إلا إذا أردنا من هذا الاسترجاع أن نتعلم مما مضى، وطرد كل دلائل وهزائم الماضي، طبعاً دون غرور أو نرجسية .
إن كنت من الأشخاص الذين يفكرون بأفكار سلبيةٍ على الدوام والتي قد تكون تولدت من تجارب سابقةٍ سيئةٍ أو غيرها، فعليك أن تتخلص منها، فمن الأسباب الرئيسية في العادة لعدم الثقة بالنفس خوف الإنسان من الفشل وقد تتضخّم نتيجة هذه الأفكار، فبإمكانك القيام بالتأمل أو ممارسة الرياضة في الهواء أو حتى طلب المساعدة من شخصٍ تثق به.
لذلك إذا كنت من الأشخاص الذين يُلقى عليهم اللوم على الدوام نتيجة قيامهم بأمرٍ ما، أو تجد نفسك مشغولاً على الدوام ولا تستطيع إكمال مشروعٍ معين، فإنّ الابتعاد عن هذه الأمور لفترة من الزمن وإعادة استرجاع أشلائك مرةً أخرى تعد خطوة جيدة في البداية، فخذ معك شخصاً تعلم أنه يحبك حقّا من كل قلبه وسافر للاستجمام إلى مكان ما من دون أن تفكر على الإطلاق بالآخرين، وحاول استعادة تركيزك مرةً أخرى وتذكر الجوانب الإيجابية واستكشف المزيد منها قبل عودتك.
كما إن التواصل مع الأشخاص الآخرين يعدّ أحد الأمور الجيّدة لزيادة الثقة بالنفس، وخاصة أولئك الأشخاص الذين ترى فيهم أنّ باستطاعهم مساعدتك ودعمك بشكل مستمر حتى في أحلك المواقف، فابقى إلى جانب هؤلاء الأشخاص على الدوام. إنه من السهل جداً أن تغرق في بحر من عدم الثقة بالنفس في حال كنت منغمساً طوال الوقت في العمل من دون القيام بشتى الجوانب الأخرى في حياتك، فعليك اللعب والنوم واللهو وتناول الطعام بشكل متوازن، وفي جميع الأحوال عليك أن تعدد نعمك بشكل أكبر من مشاكلك التي ربما قد تكون أوقعت نفسك بها في خيالك.
ويساعد ابتعادك بشكل كامل عن المقارنات السخيفة التي يضع العديد من الناس أنفسهم بها، وخاصة مع المشاهير في العالم، فكل شخص يمتلك ما يميزه ليجعله فريداً من نوعه وأفضل شخص في العالم بطريقته الخاصة، أمّا المشاهير وغيرهم فهم في العادة ومع ما نراه فيهم من الجسم والشخصية وانبهار العديدين بهم، فإنه لا يتعدى أن يكون طبقة من الغبار تغطيهم فقط.