الأسرة وأهمية دورها التربوي في إعداد الأجيال – د. مها فؤاد
الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأولى المسؤولة عن تربية الأولاد وضبطهم، لأنها اتحاد تلقائي يتم نتيجة الاستعدادات والقدرات الكامنة في الطبيعة البشرية، وهي ضرورة حتمية لبقاء الجنس البشري واستمرار الوجود الاجتماعي، حيث تلعب الأسرة دورًا أساسيًا في سلوك الأفراد بطريقة سوية، أو غير سوية، من خلال النماذج السلوكية التي تقدمها لصغارها، حيث إن أنماط هذه التفاعلات وهذا السلوك الذي يدور داخل الأسرة يعتبر هو النموذج الذي يؤثر سلبًا أو إيجابا في تربية الناشئين.
مما لا شك فيه أن الدور التربوي الذي تؤديه الأسرة تجاه أبنائها يختلف من أسرة إلى أخرى تبعاً للحالة السائدة داخل الأسرة من حيث المستوى الثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي، ومن حيث العلاقات السائدة بين الزوج والزوجة من جهة ، وأسلوب تعاملهما مع الأبناء من جهة أخرى
إن عدم الانسجام بين الوالدين يؤدي إلى صراع حاد داخل الأسرة، وقد يطفو هذا الصراع على السطح، وقد تشتعل حرب باردة بين الوالدين، وقد يترك الأب الضعيف الشخصية المسؤولية العائلية للأم، وقد تحاول الأم تشويه صورة زوجها أمام الأبناء وتستهزئ به، مما يؤدي إلى شعور الأبناء بعدم الاحترام لأبيهم الضعيف والمسلوب الإرادة .
وهناك الكثير من الآباء المتسلطين على بقية أفراد العائلة، ولجوئهم إلى أساليب العنف والقسوة في التعامل مع الزوجة ومع الأبناء، وخاصة المدمنين منهم على الكحول أو المخدرات ولعب القمار، مما يحوّل الحياة داخل الأسرة إلى جحيم لا يطاق، وقد يتوسع الصراع بين الوالدين ليشمل الأبناء، حيث يحاول كل طرف تجنيد الأبناء في صالحه، مما يسبب لهم عواقب وخيمة، حيث يصبحون كبش فداء لذلك الصراع ويتعرضون للتوتر الدائم والغضب والقلق ،والانطواء ، وحب والسيطرة ،والعدوانية، ويتفق علماء التربية على أن المشكلات الأخلاقية التي يتعرض لها الأبناء غالباً ما تكون لدى الأسر التي يسودها التوتر، وعدم الانسجام، والصراع .
ويعتقد الباحثون التربيون، نتيجة الدراسات التي أجروها، أن تأثيرات الصراع والشقاق الزوجي المستمر غالباً ما يكون أشد تأثيراً على تربية وتنشأة الأبناء من الانفصال أو الطلاق، على الرغم من أن الانفصال أو الطلاق ليس بالضرورة يمكن أن ينهي العداء والكراهية بين الوالدين، فقد ينتقل الصراع بينهما إلى مسألة حضانة الأطفال ،ونفقة معيشتهم. إن الأسر التي جرى فيها انفصال الوالدين عن بعضهما نتيجة للشقاق والصراع المستمر بينهما جعل استمرار الحياة المشتركة صعباً جداً، إن لم يكن مستحيلاً، ورغم أن الانفصال أو الطلاق قد يحل جانباً كبيراً من المشاكل التي تعاني منها الأسرة، إلا أن مشاكل أخرى تبرز على السطح من جديد تتعلق بحضانة الأطفال ونفقتهم، وقد يستطيع الوالدان المنفصلان التوصل إلى حل عن طريق التفاهم، وقد يتعذر ذلك، ويلجا الطرفان أو أحدهما إلى المحاكم للبت في ذلك، مما يزيد من حدة الصراع بينهما، والذي ينعكس سلباً على أبناهما.
ويجب أن تعمل الأسرة والأبوين على تنمية العديد من الحاجات لدى الابن والتي من أبرزها الحاجة إلى الطمأنينة، والحاجة إلى المغامرة، والحاجة إلى تقدير الآخرين، والحاجة إلى الحب المتبادل، وغيرها، نظرًا لأن هذه الحاجات من خلال مراعاتها لدى الابن تستطيع أن تقضي على الكثير من المشكلات التي قد تنشأ لدى الابن، كما أن الاشباع وطريقته يعتبر الأساس في تربية الابن، فهو يولد وهو مزود ببعض القابليات، إلا أنه يعيش في بيئة معينة يتفاعل معها وتتفاعل معه، والبيئة السلوكية التي يعيش فيها تضطره إلى تعديل بعض دوافعه الأولية،وتكوين بعض العادات الانفعالية ، ويجب على الأب تقبل الأفكار الجديدة واحترام حب الابن للاستطلاع دون التقليل من شأنه أو قهره أو احتقاره لأن هذا يقلل من شعور الابن بذاتيته مما يعتبر معوقًا في نمو القيم لديه.